يقول ابن تيمية عن هؤلاء الفلاسفة - في هذا الشأن -: فأهل التخييل هم المتفلسفة ومن سلك سبيلهم من متكلم ومتصوف ومتفقه، فإنهم يقولون إن ما ذكره الرسول من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر إنما هو تخييل للحقائق لينتفع بها الجمهور، لا أنه بيّن به الحق، ولا هدى به الخلق، ولا أوضح به الحقائق.

ثم هم على قسمين، منهم من يقول: إن الرسول لم يعلم الحقائق على ما هي عليه، ويقولون إن من الفلاسفة من علمها، وكذلك من الأشخاص الذين يسمونهم الأولياء من علمها، ويزعمون أن من الفلاسفة والأولياء من هو أعلم بالله واليوم الآخر من المرسلين، وهذه مقالة غلاة الملحدين من الفلاسفة والباطنية: باطنية الشيعة وباطنية الصوفية، ومنهم من يقول بل الرسول علمها، لكن لم يبينها، وإنما تكلم بما يناقضها، وأراد من الخلق فهم ما يناقضها؛ لأن مصلحة الخلق في هذه الاعتقادات التي لا تطابق الحق.

ويقول هؤلاء يجب على الرسول أن يخبر بأن أهل الجنة يأكلون ويشربون، مع أن ذلك باطل؛ لأنه لا يمكن دعوة الخلق إلا بهذه الطريقة التي تتضمن الكذب لمصلحة العباد ... (?).

كما يذكر ابن تيمية أن في هذا الإنكار نسبة للرسول إلى التلبيس وعدم البيان، بل إلى كتمان الحق وإضلال الخلق، بل إلى التكلم بكلام لا يعرف حقه من باطله، ولهذا كان حقيقة أمرهم الإعراض عن الكتاب والرسول ... (?)

إضافة إلى ذلك، فإن هذا الإنكار أو الاستهزاء بنصوص الوعد والوعيد، هو تعطيل للشرائع وإبطال للأوامر والنواهي، وتلاعب بالنصوص الشرعية، وتشكيك فيها.

د- أن هذا الإنكار أو الاستهزاء مخالف للإجماع، وتكذيب له، فقد أجمعوا على إثبات الوعد والوعيد والتصديق به، وأجمعوا أيضاً على تكفير منكره أو المستهزئ به، كما سنذكره الآن.

يقول ابن عبد البر: وأما الإقرار بالجنة والنار فواجب مجتمع عليه، ألا ترى أن ذلك مما يكتب في صدور الوصايا مع الشهادة بالتوحيد، وبالنبي صلى الله عليه وسلم (?).

ويقول القاضي عياض: وكذلك من دان بالوحدانية وصحة النبوة، ونبوة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولكن جوز على الأنبياء الكذب فيما أتوا به، ادّعى في ذلك مصلحة بزعمه أو لم يدَّعها فهو كافر بإجماعٍ، كالمتفلسفين وبعض الباطنية، وغلاة المتصوفة، وأصحاب الإباحة؛ فإن هؤلاء زعموا أن ظواهر الشرع وأكثر ما جاءت به الرسل من الإخبار عما كان ويكون من أمور الآخرة والحشر والقيامة، والجنة والنار، وليس منها شيء على مقتضى التصريح لقصور أفهامهم، فمضمن مقالاتهم إبطال الشرائع، وتعطيل الأوامر والنواهي، وتكذيب الرسل والارتياب فيما أتوا به (?).

ويقول أيضاً:- وكذلك من أنكر الجنة، أو النار، أو البعث، أو الحساب، أو القيامة فهو كافر بإجماعٍ للنص عليه، وإجماع الأمة على صحة نقله متواتراً، وكذلك من اعترف بذلك، ولكنه قال: إن المراد بالجنة، والنار، والحشر، والنشر، والثواب، والعقاب معنى غير ظاهره، وأنها لذَّات روحانية، ومعانٍ باطنة (?).

ويقول ابن حزم: وأن البعث حقّ، والحساب حقّ، والجنة حقّ، والنار حقّ، داران مخلوقتان مخلدتان، هما ومن فيهما بلا نهاية، يجمع الله تعالى يوم القيامة بين الأرواح والأجساد، كل هذا إجماع أهل الإسلام، من خرج عنه خرج عن الإسلام (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015