وقد التزم أهل السنة بموجب هذه التوجيهات فعرفوا باحتياطهم في التكفير رغم أن أغلب الفرق باستثناء المرجئة تتساهل في المسألة، بل وتكفر أهل السنة أما أهل السنة فالتزموا الضوابط الشرعية، يقول شيخ الإسلام: (فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم، وإن كان ذلك المخالف يكفرهم، لأن الكفر حكم شرعي، فليس للإنسان أن يعاقب بمثله، كمن كذب عليك وزنى بأهلك، ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله، لأن الكذب والزنا حرام لحق الله تعالى) (?) وقال رحمه الله: (إني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى) (?).
(ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاه الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنت كافراً، لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال، وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم) (?).
فهذا أنموذج عظيم للتطبيق العملي لهذا المبدأ وفيه رد عملي على أدعياء العلم من المبتدعة الذين يزعمون أن شيخ الإسلام يكفر المسلمين إلى آخر هذا الكلام المستند إلى الهوى والتعصب.
وإليك أنموذجاً آخر للتطبيق العملي لهذا المنهج وهو موقف الإمام أحمد إمام أهل السنة رحمه الله من أعيان الجهمية ممن آذوه، ودعوا الناس إلى بدعتهم وعاقبوا مخالفهم الجهمية: إن القرآن مخلوق، وإن الله لا يرى في الآخرة وغير ذلك، ويدعون الناس إلى ذلك ويمتحنونهم ويعاقبونهم، إذا لم يجيبوهم ويكفرون من لم يجبهم، حتى إنهم كانوا إذا أمسكوا الأسير لم يطلقوه حتى يقر بقول الجهمية: إن القرآن مخلوق، وغير ذلك، ولا يولون متولياً ولا يعطون رزقاً من بيت المال إلا لمن يقول ذلك، ومع هذا فالإمام أحمد رحمه الله ترحم عليهم واستغفر لهم لعلمه بأنهم لم يبين لهم أنهم مكذبون للرسول – صلى الله عليه وسلم- ولا جاحدون لما جاء به، ولكن تأولوا فأخطأوا، وقلدوا من قال لهم ذلك (?).
يتبين مما سبق أن أهل السنة يطلقون التكفير بالعموم، وكذلك الوعيد ولكن الحكم على المعين بالكفر والوعيد لابد فيه من الدقة والاحتياط للتأكد من توفر الشروط وانتفاء الموانع.
لكن ظن بعض المتوهمين - بسبب قراءتهم لهذه النصوص وأمثالها - أن أهل السنة لا يكفرون المعين، هكذا بالإطلاق، وظنهم هذا شبيه بظن من اعتقد أن أهل السنة يتساهلون في مسألة التكفير ...
ب- نصوص تدل على تكفير المعين إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، وتطبيقات السلف لذلك.