المطلب الأول: تكفير المعين
مذهب أهل السنة وسط بين من يقول: لا نكفر من أهل القبلة أحداً، وبين من يكفر المسلم بكل ذنب دون النظر إلى توفر شروط التكفير وانتفاء موانعه، ويتلخص مذهب أهل السنة في أنهم يطلقون التكفير على العموم مثل قولهم: من استحل ما هو معلوم من الدين بالضرورة كفر، ومن قال القرآن مخلوق، أو أن الله لا يرى في الآخرة كفر، ولكن تحقق التكفير على المعين لابد له من توفر شروط، وانتفاء موانع، فلا يكون جاهلاً ولا متأولاً ولا مكرهاً .. الخ.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: (فقد يكون الفعل أو المقالة كفراً، ويطلق القول بتكفير من قال تلك المقالة، أو فعل ذلك الفعل، ويقال: من قال كذا، فهو كافر، أو من فعل ذلك، فهو كافر. لكن الشخص المعين الذي قال ذلك القول أو فعل ذلك الفعل لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها. وهذا الأمر مطرد في نصوص الوعيد عند أهل السنة والجماعة، فلا يشهد على معين من أهل القبلة بأنه من أهل النار، لجواز أن لا يلحقه، لفوات شرط أو لثبوت مانع) (?)
فإذا توفرت الشروط وانتفت الموانع حكم بردته فيستتاب فإن تاب وإلا قتل، وسنبحث في هذه الفقرة:
أ - النصوص المحذرة من إطلاق التكفير على المعين دون بينة وتطبيقات السلف لذلك.
ب- نصوص تدل على تكفير المعين إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع وتطبيقات السلف لذلك.
أ- قال ابن أبي العز الحنفي: (وأما الشخص المعين، إذا قيل: هل تشهدون أنه من أهل الوعيد وأنه كافر؟ فهذا لا نشهد عليه إلا بأمر تجوز معه الشهادة، فإنه من أعظم البغي أن يشهد على معين أن الله لا يغفر له ولا يرحمه بل يخلده في النار، فإن هذا حكم الكافر بعد الموت، ولهذا ذكر أبو داود في (سننه) في كتاب: الأدب، باب: النهي عن البغي. وذكر فيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول: ((كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين، فكان أحدهما يذنب، والآخر مجتهد في العبادة فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول: أقصر، فوجده يوماً على ذنب، فقال له أقصر، فقال خليني وربي، أبعثت علي رقيباً؟ فقال: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الله الجنة، فقبض أرواحهما، فاجتمعا عند رب العالمين فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالماً؟ أو كنت على ما في يدي قادراً؟ وقال للمذنب اذهب فادخل الجنة برحمتي. وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار. قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده، لتكلم بكلمة أو بقت دنياه وآخرته)) (?) وهو حديث حسن، ولأن الشخص المعين يمكن أن يكون مجتهداً مخطئاً مغفوراً له، ويمكن أن يكون ممن لم يبلغه ما وراء ذلك من النصوص، ويمكن أن يكون له إيمان عظيم وحسنات أوجبت له رحمة الله) (?).