قال شيخ الإسلام في تعليقه على هذا الحديث (فإن الإيمان الذي علقت به أحكام الدنيا، هو الإيمان الظاهر وهو الإسلام، فالمسمى واحد في الأحكام الظاهرة، ولهذا لما ذكر الأثرم لأحمد احتجاج المرجئة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعتقها فإنها مؤمنة)) أجابه بأن المراد حكمها في الدنيا حكم المؤمنة، لم يرد أنها مؤمنة عند الله تستحق دخول الجنة بلا نار إذا لقيته بمجرد هذا الإقرار) (?)، (لأن الإيمان الظاهر الذي تجري عليه الأحكام في الدنيا لا يستلزم الإيمان في الباطن الذي يكون صاحبه من أهل السعادة في الآخرة) (?).

ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يعامل المنافقين على ظواهرهم مع علمه بنفاق كثير منهم ليقرر هذا الأصل العظيم (فهم في الظاهر مؤمنون يصلون مع الناس ويصومون، ويحجون ويغزون والمسلمون يناكحونهم ويوارثونهم .. ولم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين بحكم الكفار المظهرين للكفر، لا في مناكحتهم ولا موارثتهم ولا نحو ذلك، بل لما مات عبدالله بن أبي بن سلول وهو من أشهر الناس بالنفاق ورثه ابنه عبدالله وهو من خيار المؤمنين، وكذلك سائر من كان يموت منهم يرثه ورثته المؤمنون، وإذا مات لأحدهم وارث ورثوه مع المسلمين .. لأن الميراث مبناه على الموالاة الظاهرة، لا على المحبة التي في القلوب، فإنه لو علق بذلك لم تمكن معرفته، والحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة علق الحكم بمظنتها، وهو ما أظهروه من موالاة المؤمنين .. وكذلك كانوا في الحقوق والحدود كسائر المسلمين) (?) (وهكذا كان حكمه صلى الله عليه وسلم في دمائهم وأموالهم كحكمه في دماء غيرهم لا يستحل منها شيئاً إلا بأمر ظاهر، مع أنه كان يعلم نفاق كثير منهم) (?) ومع ذلك (يجب أن يفرق بين أحكام المؤمنين الظاهرة التي يحكم فيها الناس في الدنيا، وبين حكمهم في الآخرة بالثواب والعقاب، فالمؤمن المستحق للجنة لابد أن يكون مؤمناً في الباطن باتفاق جميع أهل القبلة) (?).

وبعد هذا التقرير الواضح لهذا الأصل القطعي ترد بعض التساؤلات التي قد يظن أنها مخالفة لهذا الأصل ومنها:

أ - لماذا حصل الخلاف في قبول توبة الزنديق (?)، مع أن الأصل يقتضي أخذه على ظاهره؟

ب- ما ذكر من أدلة ينطبق على من أظهر الإسلام، أو من أقر بالإسلام ونطق بالشهادتين من الكفار لكن هل ينطبق هذا الكلام على المسلم إذا أظهر الكفر فيحكم بكفره بمجرد ذلك بناءاً على هذا الأصل؟.

وللجواب عن ذلك يقال:

أما الأول فقد اختلف العلماء فيه فذهب بعضهم إلى قبول توبته وهو قول الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد، والبغوي والنووي وحكاه الخطابي عن أكثر العلماء رحمهم الله، وذهب مالك وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه والرواية الأخرى عن أحمد وابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمه الله إلى عدم قبول توبته (?).

ولا نريد أن ندخل في تفاصيل أدلة الفريقين ولا في الترجيح، وإنما الذي يهمنا هنا، قول من قال بقتله بعدما يظهر التوبة، هل ينافي الحكم بالظاهر؟.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015