والشاهد من الحديث قوله (وحسابهم على الله) قال ابن رجب: (وأما في الآخرة فحسابه على الله عز وجل، فإن كان صادقاً أدخله الله بذلك الجنة، وإن كان كاذباً فإنه من جملة المنافقين في الدرك الأسفل من النار) (?). وقال الحافظ في الفتح: (أي أمر سرائرهم .. وفيه دليل على قبول الأعمال الظاهرة والحكم بما يقتضيه الظاهر) (?) وقال الإمام البغوي: (وفي الحديث دليل على أن أمور الناس في معاملة بعضهم بعضاً إنما تجري على الظاهر من أحوالهم دون باطنها، وأن من أظهر شعار الدين أجري عليه حكمه، ولم يكشف عن باطن أمره، ولو وجد مختون فيما بين قتلى غلف، عزل عنهم في المدفن، ولو وجد لقيط في بلد المسلمين حكم بإسلامه) (?).
3 - واستدلوا أيضاً بقصة أسامة رضي الله عنه المشهورة قال: ((بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة (?) فأدركت رجلاً فقال: لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقال لا إله إلا الله وقتلته قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا، فما زال يكررها عليَّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ)) (?).
والحديث فيه زجر شديد وتحذير من الإقدام على قتل من تلفظ بالتوحيد وتحذير صريح من تجاوز الظاهر والحكم على ما في القلب دون بينة، قال النووي – رحمه الله-: (وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا))؟ الفاعل في قوله: ((أقالها)) هو القلب، ومعناه أنك إنما كلفت بالعمل بالظاهر وما ينطق به اللسان، وأما القلب فليس لك طريق إلى معرفة ما فيه فأنكر عليه امتناعه من العمل بما ظهر باللسان، وقال أفلا شققت عن قلبه لتنظر، هل قالها القلب واعتقدها وكانت فيه أم لم تكن فيه بل جرت على اللسان فحسب، يعني وأنت لست بقادر على هذا فاقتصر على اللسان فحسب ولا تطلب غيره) (?)، وقال أيضاً في تعليقه على قوله – صلى الله عليه وسلم-: ((أفلا شققت عن قلبه؟)): (وفيه دليل على القاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام فيها بالظاهر والله يتولى السرائر) (?).
4 - ومن الأحاديث العظيمة في هذا الباب حديث جارية معاوية بن الحكم السلمي لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها فأتيته بها فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة)) (?).