وقد قال الله سبحانه وتعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165] وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ((لا أحد أحب إليه العذر من الله)) (?) فقد أعذر إلى الناس وأقام عليهم البينات، ولهذا أرسل الرسل، وأنزل الكتب، فإذا جاء هؤلاء واشتكوا إلى ربهم وقالوا: ما أتانا من رسول، وما جاءنا من نذير، فمن حكمة الله وعدله ورحمته التي وسعت كل شيء أنه يمتحنهم، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، فإن الذي يدخل الجنة، أو الذي يدخل النار، سواء كان امتحن في الدنيا أو امتحن في الآخرة، فإنه لن يدخل أحد الدارين إلا بما عمل بإرادته واختياره.
الجواب على الاستدلالات السابقة
وحديث ((الله أعلم بما كانوا عاملين)) (?) لا يتنافى مع القول بالامتحان، ويمكن أن نجعله دليلا على الامتحان لأن الله يعلم ما كانوا عاملين، أي: إن نجحوا وآمنوا ساعة الامتحان يوم القيامة فالله تعالى سيدخلهم الجنة.
وإن كفروا وعصوا الله تعالى سيدخلهم النار، أما حديث الخليل - عليه السلام - على رواية (أن ذراري المشركين كانوا معه) يحتمل أنهم امتحنوا فنجحوا، أو أن هؤلاء سيكونون على الصورة التي كانوا عليها، أي: أن هؤلاء الذراري الذين امتحنوا فنجحوا سموا أطفال المشركين، نسبة إلى ما كانوا عليه في الدنيا، فلهذا قال: (ذراري المشركين وأطفال المشركين) فأطفال المسلمين دخلوا الجنة لأنهم أطفال المسلمين، وأطفال المشركين كانوا مع الخليل في الجنة؛ لأنهم الذين نجحوا في الامتحان، أي أنهم أطاعوا الله سبحانه وتعالى.
إذاً: لا يمنع أن يوجد منهم من هو في النار.
هذا ما نخلص إليه في هذه المسألة وقد أطال فيها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وذكرها الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى عند تفسيره لقول الله -تبارك وتعالى-: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15].
أما أطفال أهل البدع والمعاصى، فإذا كان المراد بهم أهل البدع والمعاصي من المسلمين الذين لم يلتحقوا بالمشركين، فهؤلاء من أطفال المسلمين وحكمهم حكم أطفال المسلمين، أما البدعة التي تخرج من الملة وأصحابها مشركون، لهم الحكم السابق الذي ذكر الخلاف فيه، ولا نتبعهم بآبائهم؛ لأنهم مشركون فنقول: إنهم مشركون. شرح العقيدة الطحاوية لسفر الحوالي