فإذا ذكر مجرداً تناول الأعمال؛ كما في الصحيحين: (( ... الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)) (?)، وفيهما أنه قال لوفد عبدالقيس: ((آمركم بالإيمان بالله، أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم)) (?).

وإذا ذكر مع الإسلام – كما في حديث جبريل أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان – فرق بينهما، فقال: ((الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ... )) إلى آخره (?).

وفي المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((الإسلام علانية، والإيمان في القلب)) (?) فلما ذكرهما جميعاً، ذكر أن الإيمان في القلب، والإسلام ما يظهر من الأعمال.

وإذا أفرد الإيمان أدخل فيه الأعمال الظاهرة، لأنها لوازم ما في القلب؛ لأنه متى ثبت الإيمان في القلب والتصديق بما أخبر به الرسول وجب حصول مقتضى ذلك ضرورة، فإنه ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه، فإذا ثبت التصديق في القلب لم يتخلف العمل بمقتضاه ألبتة، فلا تستقر معرفة تامة ومحبة صحيحة، ولا يكون لها أثر في الظاهر.

ولهذا ينفي الله الإيمان عمن انتفت عنه لوازمه، فإن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم، كقوله تعالى: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء [المائدة: 81].

وقوله: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة: 22] ونحوها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015