تصديق القلب، وإقراره ومعرفته، ويقال لهذا قول القلب.

ولابد فيه من عمل القلب، مثل حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وغير ذلك من أعمال القلوب، التي أوجبها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وجعلها من الإيمان) (?).

وقال أيضاً: (الإيمان وإن كان يتضمن التصديق، فليس هو مجرد التصديق، وإنما هو الإقرار والطمأنينة، وذلك لأن التصديق إنما يعرض للخبر فقط، فأما الأمر فليس فيه تصديق من حيث هو أمر، وكلام الله خبر وأمر، فالخبر يستوجب تصديق المخبر، والأمر يستوجب الانقياد له والاستلام، وهو عمل في القلب جماعة الخضوع والانقياد للأمر فإذا قوبل الخبر بالتصديق، والأمر بالانقياد، فقد حصل أصل الإيمان في القلب، وهو الطمأنينة والإقرار، وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والانقياد) (?).

وقال ابن القيم رحمه الله: (ونحن نقول: الإيمان هو التصديق، ولكن ليس التصديق مجرد اعتقاد صدق المخبر دون الانقياد له، ولو كان مجرد اعتقاد التصديق إيمانا، لكن إبليس وفرعون وقومه وقوم صالح واليهود الذين عرفوا أن محمدا رسول الله كما يعرفون أبناءهم مؤمنين مصدقين .. فالتصديق إنما يتم بأمرين: أحدهما: اعتقاد الصدق.

والثاني: محبة القلب، وانقياده) (?).

وقال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله: (ومن هنا يتبين لك أن من قال من أهل السنة في الإيمان هو: التصديق على ظاهر اللغة؛ أنهم إنما عنوا التصديق الإذعاني المستلزم للانقياد ظاهرا وباطنا بلا شك، لم يعنوا مجرد التصديق) (?).

فالحاصل أن لفظ تصديق القلب عند السلف له أربعة معان:

1) أن يراد به قول القلب فقط، وهذا فيما إذا قرن بعمل القلب.

2) أن يراد به عمل القلب المتضمن لقوله.

3) أن يراد به قول القلب المستلزم لعمل القلب.

4) أن يراد به قول القلب وعمله جميعا.

وأما أن يفرد ويراد به قول القلب فقط فهذا لم يرد عن السلف، بل هو من اصطلاحات أهل البدع.

ثم ليعلم أن التصديق بمعناه الخبري، الذي هو مجرد أن يقع في القلب نسبة الصدق إلى المخبر والخبر من غير إذعان وقبول؛ يساوي تماما عند السلف والأئمة معنى العلم أو المعرفة، إذ لا يوجد فرق بين العلم والمعرفة والتصديق.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فإن الفرق بين معرفة القلب وبين مجرد تصديق القلب الخالي عن الانقياد والذي يجعل قول القلب، أمر دقيق. وأكثر العقلاء ينكرونه، وبتقدير صحته لا يجب على كل أحد أن يوجب شيئين لا يتصور الفرق بينهما. وأكثر الناس لا يتصورون الفرق بين معرفة القلب وتصديقه، ويقولون: إن ما قاله ابن كلاب والأشعري من الفرق كلام باطل لا حقيقة له، وكثير من أصحابه اعترف بعدم الفرق – إلى أن قال رحمه الله والمقصود هنا أن الإنسان إذا رجع إلى نفسه عسر عليه التفريق بين علمه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق، وبين تصديق قلبه تصديقا مجردا عن الانقياد وغيره من أعمال القلوب بأنه صادق) (?).

والمتتبع لبعض تعاريف السلف للإيمان يجد أنهم يعبرون عن التصديق بالمعرفة، وعن المعرفة بالتصديق، بل ويعرفون المعرفة بأنها التصديق، والتصديق بأنه المعرفة.

قال الإمام المروزي رحمه الله: (وإنما المعرفة التي هي إيمان: هي معرفة تعظيم الله وجلاله وهيبته، فإذا كان كذلك فهو المصدق الذي لا يجد محيصا عن الإجلال لله بالربوبية) (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015