المطلب الأول: أدلة إثبات القنطرة

حديث القنطرة: وهو حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقص لبعضه من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة, فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة بمنزله كان في الدنيا)) (?).

قلت: وعند البخاري في (المظالم) (5/ 96): ((إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار)). قال الحافظ: ((واختلف في القنطرة المذكورة فقيل: هي من تتمة الصراط وهي طرفه الذي يلي الجنة وقيل أنهما صراطان وبهذا الثاني جزم القرطبي)) اهـ (?). قلت: وفي كتاب (المظالم) رجح الحافظ الأول فقال: (الذي يظهر أنها طرف الصراط مما يلي الجنة، ويحتمل أن تكون من غيره بين الصراط والجنة). اهـ (?). قلت: ذكر القرطبي أن الصراط صراطان في كتابه التذكرة فقال: (اعلم رحمك الله أن في الآخرة صراطين: أحدهما مجاز لأهل المحشر كلهم ثقيلهم وخفيفهم إلا من دخل الجنة بغير حساب, أو من يلتقطه عنق النار فإذا خلص من هذا الصراط الأكبر الذي ذكرناه ولا يخلص منه إلا المؤمنون الذين علم الله منهم أن القصاص لا يستنفذ حسناتهم حبسوا على صراط آخر خاص لهم ولا يرجع إلى النار من هؤلاء أحد إن شاء الله لأنهم قد عبروا الصراط الأول المضروب على متن جهنم الذي يسقط فيها من أوبقه ذنبه, وأربى على الحسنات بالقصاص جرمه). اهـ (?).

(3) قلت: وذكر العيني نحو ذلك فقال عند ذكر القنطرة: (قيل هذا يشعر بأن في القيامة جسرين، هذا والذي على متن جهنم المشهور بالصراط. واجب بأنه لا محذور فيه، ولئن ثبت بالدليل أنه واحد فتأويله أن هذه القنطرة من تتمة الأول) اهـ (?).

قلت: الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصراط واحد, ولم يذكر صلى الله عليه وسلم أن الصراط صراطان (مجاز أو خاص) كما ذكر القرطبي رحمه الله.

والذي يقتضي الدليل رجحانه أن القنطرة جسر بين الجنة والنار لا علاقة له بالصراط كما هو ظاهر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وظاهره يدل أيضاً على أن المؤمنين خلصوا أي فرغوا وانتهوا من المرور على الصراط كما قال الحافظ: (قوله: ((إذا خلص المؤمنون من النار)): أي نجوا من السقوط فيها بعد ما جازوا على الصراط) اهـ (?).

وكما قال القرطبي رحمه الله: (معنى يخلص المؤمنون من النار أن يخلصوا من الصراط المضروب على النار) (?). قلت: ويشهد لذلك حديث ابن مسعود الطويل الذي تقدم والذي يصف فيه النبي صلى الله عليه وسلم مرور الناس على الصراط حتى قال فيه: ((حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه تخر يد، وتعلق يد وتخر رجل، وتعلق رجل, وتصيب جوانبه النار، فيخلصون فإذا خلصوا قالوا: الحمد لله الذي نجانا منك بعد أن أراناك لقد أعطانا الله ما لم يعط أحد)) (?).

قلت: فهذا الحديث نص صريح في أن معنى خلصوا هو انتهاء الناس من المرور على الصراط، وبذلك نعلم أن القنطرة ليست تتمة للصراط، والعلم عند الله تعالى. صفة الصراط لحاي الحاي – ص 32

طور بواسطة نورين ميديا © 2015