أما الصنف الثالث وهو: 3 - المتوسط بينهما يصاب ثم ينجو: فقد ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ مختلفة كقوله في الأحاديث السابقة: ((مخدوش مكلم)) و ((مخدوج به)) وكقوله في رواية أبي هريرة عند البخاري ((ومنهم المخردل ثم ينجو)) (?). وقوله في رواية أبي هريرة عند مسلم: ((ومنهم المجازى حتى يُنجَّى)) (?).
والناس من هذا الصنف هم الذين اجترحوا السيئات واكتسبوا الخطايا، فتخطفهم الكلاليب, فتجرح أجسادهم, ثم ينجون بفضل رحمة الله ثم بما قدموه من طاعات في الحياة الدنيا، والله أعلم.
وقوله: ((مخدوش مكلم)) قال ابن الأثير في (النهاية) (2/ 14): (خدش الجلد: قشره بعود أو نحوه). اهـ. وقال الكرماني: (مخدوش: أي مخموش ممزوق. وهو من الخمش وهو تمزيق الوجه بالأظافير) (?). وقوله ((مكلم)) من الكلم وهو الجرح. وقوله ((مخدوج به)) من الخداج وهو النقصان كما قال ابن الأثير في (النهاية) (2/ 12). قلت: والمعنى أن كلاليب الصراط تجرحه فتنقص من جسده، والله أعلم.
وقوله: ((ومنهم المخردل ثم ينجو)) قال ابن الأثير في (النهاية) (3/ 20): (هو المرمي المصروع، وقيل: المقطع، تقطعه كلاليب الصراط، يقال: خردلت اللحم: أي فصلت أعضاءه وقطعته ومنها قصيدة كعب بن زهير:
يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما ... لحم من القوم معفور خراديل
أي مقطع قطعاً). اهـ.
قلت: والمعنى الثاني أنسب لسياق الخبر، والله أعلم. وقوله: ((المجازي حتى ينجى)) المجازى: من الجزاء. والمعنى والله أعلم أن ما يحدث له على الصراط من تقطيع وترويع عظيمين إنما هو جزاء له على أعماله الفاسدة, وعلى تقصيره في حق ربه في حياته الدنيا.
كلام الناجين بعد المرور على الصراط: بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود الطويل الذي تقدم ماذا يقول الناجون بعد الانتهاء من المرور على الصراط ونجاتهم من السقوط في النار بقوله بعد أن ذكر مرور الناس على الصراط: ((فيخلصون فإذا خلصوا قالوا: الحمد لله الذي نجانا منك بعد أن أراناك, لقد أعطانا الله ما لم يعط أحد)) (?).
نسأل الله تعالى الرحمن الرحيم، أن نكون من الناجين في ذلك اليوم العظيم العصيب، فالنجاة في ذلك اليوم لا تكون إلا بفضل مشيئة الله تعالى ورحمته ثم بما قدمه المرء من أعمال صالحة في هذه الحياة الفانية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ويوضع الصراط مثل حد الموسى، فتقول الملائكة: من يجيز على هذا؟ فيقول: من شئت من خلقي، فيقولون: ما عبدناك حق عبادتك)) (?). صفة الصراط لحاي الحاي - بتصرف – ص 25