بين الرسول صلى الله عليه وسلم مصير الناس بعد المرور على الصراط في أحاديث كثيرة، فقال في حديث رواه ابن أبي عاصم من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بعد أن ذكر كيف يمر الناس على الصراط: ((فناج مسلم, ومخدوش مكلم, ومكردس في النار)) (?).
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري أيضاً عند ابن ماجة وغيره: ((فناج مسلم, ومخدوش به, ثم ناج ومحتبس به ومنكوس فيها)) (?). وفي رواية أبي سعيد عند البخاري قال صلى الله عليه وسلم: ((فناج مسلم, ومخدوش, ومكدوس في نار جهنم)) (?)
قال ابن أبي جمرة معلقاً على حديث البخاري: (يؤخذ منه أن المارين على الصراط ثلاثة أصناف: 1 - ناج بلا خدش. 2 - وهالك من أول وهلة. 3 - ومتوسط بينهما يصاب ثم ينجو. وكل قسم منها ينقسم أقساماً تعرف بقوله: (بقدر أعمالهم)) اهـ (?).
قلت: وهناك قسم رابع وهو المحتبس به كما في حديث أبي سعيد الخدري الذي تقدم. والله أعلم.
أما الصنف الأول الذي ذكره ابن أبي جمرة وهو:
1 - الناج بلا خدش: فقد ذكره صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة بلفظ (ناج مسلم) كما في الأحاديث السابقة، والناس من هذا الصنف هم الذين يعطون نوراً عظيماً على الصراط على قدر أعمالهم, فينطلقون عليه بسرعة عظيمة كما بيَّنا في فصل (كيف يمر الناس على الصراط) (ص19).
وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر صفتهم بقوله: ((ثم ينجو المؤمنون، فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر، سبعون ألفاً لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء)) (?)
والصنف الثاني وهو: 2 - الهالك من أول وهلة: ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ مختلفة كقوله في الأحاديث السابقة: ((مكردس في النار)) و ((منكوس فيها)) و ((مكدوس في نار جهنم)) وقوله في رواية أبي هريرة عند البخاري: ((الموبق بقي بعمله)) (?).
والناس في هذا الصنف هم المنافقون الذين يعطيهم الله تعالى نوراً فينطلقون على الصراط ثم يطفأ نورهم فيسقطون في النار والعياذ بالله ...
وكذلك العصاة والفسقة من الموحدين والله أعلم.
وقوله: ((منكوس فيها)) قال الراغب في كتابه (المفردات في غريب القرآن) (ص505): (النكس قلب الشيء على رأسه). اهـ وقال الفيومي في (المصباح) (ص 625): (ومنه قيل ولد (منكوس) إذا خرج رجلاه قبل رأسه لأنه مخالف للعادة). اهـ.
قلت: مما سبق يتبين لنا أن قوله صلى الله عليه وسلم: ((منكوس فيها)). أي مقلوب فيها على رأسه والله أعلم. وقوله: ((مكدوس في نار جهنم)). قال ابن الأثير في (النهاية) (4/ 155): (أي مدفوع، وتكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط، ويروى بالشين المعجمة، من الكدش، وهو السوق الشديد. اهـ. وقوله: (الموبق بقي بعمله) قال العيني: الموبق: من وبق: أي هلك، أوبقته ذنوبه: أهلكته). اهـ (?).
قلت: كما في حديث: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) أي المهلكات.