في ختام هذا اليوم يحشر العباد إما إلى الجنة وإما إلى النار، وهما المقرّ الأخير الذي يصير إليه العباد جميعاً، وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يطلب من كل أمة في آخر ذلك اليوم أن تتبع الإله الذي كانت تعبده، فالذي كان يعبد الشمس يتبع الشمس، والذي كان يعبد القمر يتبع القمر، والذي كان يعبد الأصنام تصور لهم آلهتهم ثم تسير أمامهم ويتبعونها، والذين كانوا يعبدون فرعون يتبعونه، ثم إن هذه الآلهة الباطلة تتساقط في النار، ويتساقط عبادها وراءها في السعير، كما قال تعالى: في فرعون: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [هود:98].
ولا يبقى بعد ذلك إلا المؤمنون وبقايا أهل الكتاب، وفي المؤمنين المنافقون الذين كانوا معهم في الدنيا، فيأتيهم ربهم، فيقول لهم: ما تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربنا، فيعرفونه بساقه عندما يكشفها لهم، وعند ذلك يخرون له سجوداً، إلا المنافقون فلا يستطيعون يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ [القلم: 42]، ثم يتبع المؤمنون ربهم، وينصب الصراط ويعطى المؤمنون أنوارهم، ويسيرون على الصراط، ويطفأ نور المنافقين، ويقال لهم: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً، ثم يضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة، وظاهره من قبله العذاب، ويمر العباد على الصراط مسرعين بقدر إيمانهم وأعمالهم الصالحة. روى مسلم في (صحيحه) عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر، وغبر أهل الكتاب. فيدعى اليهود، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله. فيقال: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد. فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا يا ربنا، فاسقنا. فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً، فيتساقطون في النار. ثم يدعى النصارى، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم: ما تبغون؟ فيقولون: عطشنا، يا ربنا فاسقنا، قال: فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى جهنم كأنهم سراب، يحطم بعضها بعضاً، فيتساقطون في النار. حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر، أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها، قال: فماذا تنتظرون؟ تتبع كل أمة ما كانت تعبد. قالوا: يا ربنا، فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم، ولم نصاحبهم، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، لا نشرك بالله شيئاً (مرتين أو ثلاثاً) حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب. فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق، فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاءً ورياءً إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خرَّ على قفاه، ثم يرفعون رؤوسهم، وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة، فقال: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا. ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة، ويقولون: اللهم سلم سلم.