فكذلك وزنه تعالى خلقه بالميزان: حجة عليهم ولهم إما بالتقصير في طاعته وإما بالتكميل والتتميم (?).
ويقول ابن أبي العز – في رده على الذين ينفون الميزان، لخفاء الحكمة عليهم، وقولهم: إنه لا يحتاج إلى الميزان إلا البقال والفوال ومدى خطورة هذا الكلام – يقول (فعلينا الإيمان بالغيب كما أخبرنا الصادق صلى الله عليه وسلم، من غير زيادة ولا نقصان، ويا خيبة من ينفي وضع الموازين القسط ليوم القيامة كما أخبر الشارع – لخفاء الحكمة عليه – ويقدح في النصوص بقوله: لايحتاج إلى الميزان إلا البقال والفوال وما أحراه بأن يكون من الذين لا يقيم الله لهم يوم القيامة وزنا ولو لم يكن من الحكمة في وزن الأعمال إلا ظهور عدله سبحانه لجميع عباده, فإنه لا أحد أحب إليه العذر من الله, من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين, فكيف ووراء ذلك من الحكم ما لا اطلاع لنا عليه) (?).
ثم إن الذين يحاولون التشكيك في الميزان, وإنكار حقيقته, لا يستندون على أي دليل يصح الاحتجاج به، بل غاية ما تشبثوا به, مجرد الاستبعادات العقلية, وليس في ذلك حجة على أحد, فهذا إذا لم تقبله عقولهم فقد قبلته عقول قوم هي أقوى من عقولهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم، حتى جاءت البدع كالليل المظلم، وقال كل ما شاء, وتركوا الشرع خلف ظهورهم, وليتهم جاؤوا بأحكام عقلية يتفق العقلاء عليها ويتحذ قبولهم لها, بل كل فريق يدعي على العقل ما يطابق هواه, ويوافق ما يذهب إليه هواه, ومن هو تابع له. فتتناقض عقولهم على حسب ما تناقضت مذاهبهم، يعرف هذا كل منصف، ومن أنكره فليصمت فهمه وعقله عن شوائب التعصب والتمذهب، فإنه إن فعل ذلك أسفر الصبح لعينيه (?).
وذكر محمد رشيد رضا: (أن حكمة وزن الأعمال بعد الحساب: أنه يكون أعظم مظهر لعدل الرب تبارك وتعالى, أي ولعلمه وحكمته وعظمته في ذلك اليوم العظيم, إذ يرى فيه عباده – أفرادا وشعوبا وأمما – ذلك بأعينهم, ويعرفونه معرفة إدراك ووجدان في أنفسهم, فإن أعمالهم تتجلى لهم فيها أولا, ثم تتجلى لهم ولسائر الخلق في خارجها ثانيا, فياله من منظر مهيب, وياله من مظهر رهيب, وما أشد غفلة من قال: إنه لا حاجة إليه للاستغناء بعلم الله عنه (?).
ومهما قيل في الحكمة فإن الأمر لا يزال يتطلب الإيمان الكامل بأن وزن الأعمال هو عين الحكمة, وأن هذه مجرد استنباطات للعلماء, وتبقى حقيقة علم ذلك إلى الله وحده. الحياة الآخرة ما بين البعث إلى دخول الجنة أو النار لغالب بن علي عواجي- 2/ 1153