المبحث الرابع: منزلة توحيد الربوبية

إذا أقر العبد بانفراد الرب تبارك وتعالى بالخالق والحكم، وشهد بذلك، فإن ذلك يقوده إلى تحقيق توحيد الإلهية، فإن الأمرين متلازمان، فمن أقر لله بالربوبية لزمه أن يقر له بالإلهية: (فإن أول ما يتعلق القلب يتعلق بتوحيد الربوبية، ثم يرتقي إلى توحيد الإلهية، كما يدعو الله سبحانه عباده في كتابه بهذا النوع من التوحيد إلى النوع الآخر، ويحتج عليهم به, ويقررهم به، ثم يخبر أنهم ينقضونه بشركهم به في الإلهية) (?).

وبيان ذلك أن من أثبت لله خصائص الربوبية .... من الخلق, والإحياء, والإماتة, والنفع, والضر, والإسعاد, والإشقاء – استسلم لله تعالى في كل شيء، فيعلم أن ما أصابه فمن الله ولم يكن ليخطئه، وأنه إذا دخل الجنة فبتوفيق الله وفضله، وإذا دخل النار فبحكمته وعدله، وكل ذلك قدره الله تعالى، فإذا علم ذلك، لجأ إلى خالقه ليستعين به في جلب المنافع ودفع المضار، وليستهديه الصراط المستقيم، فيورث ذلك محبة عظيمة في قلب العبد لربه تعالى، فيقدم محاب ربه على كل شيء، ويورثه ذلك الخوف من الله وتعظيمه وتوقيره: (فهذه علامة توحيد الإلهية في هذا القلب، والباب الذي دخل إليه منه: توحيد الربوبية، أي: باب توحيد الإلهية: هو توحيد الربوبية) (?).

وبهذا التقديم تظهر أهمية الإقرار بالربوبية لله تعالى، وهذه المعرفة فطرية في قلوب بني آدم ..... إلا أن أكثر الناس الذين وقعوا في الشرك إنما وقعوا فيه لإتيانهم بما يناقض توحيد الإلهية، لذلك جاءتهم الرسل بالدعوة إلى هذا النوع من التوحيد – أعني توحيد الإلهية – وإذا أقر الإنسان لله بالربوبية ولم يوحده في عبوديته ما نفعه إقراره هذا – لذلك يقول الله جل وعلا: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف: 106]، قال مجاهد رحمه الله في تفسير هذه الآية: (إيمانهم قولهم: الله خالقنا, ويرزقنا, ويميتنا، فهذا إيمان، مع شرك عبادتهم غيره). اهـ منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد بن عبد اللطيف -بتصرف – 1/ 242

طور بواسطة نورين ميديا © 2015