إن النجاة المحضة وقف على من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهذا إنما يعرف عن طريق السنن المروية، والآثار الصحابية. وأولى الناس بمعرفة ذلك هم أهل السنة والجماعة؛ وذلك لاشتغالهم وعنايتهم بها، وانتسابهم إليها، بعكس أهل البدع من المتكلمة والمتصوفة الذين هم من أبعد الناس عن معرفة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، مستغنين عن ذلك بالمحارات الفلسفية والخيالات الصوفية، ومنهم من يعترف بقلة بضاعته من الإرث النبوي، ومنهم من لو اطلعت على مصنفاته لا تكاد تقف على آية كريمة، أو حديث شريف، أو أثر عن صحابي شاهدين على أنفسهم بالجفاء.

ثم ها هي الفرق الكبار: المعتزلة والخوارج والشيعة كلهم يطعن في الصحابة رضوان الله عليهم طعنا صريحا (?):

أما المعتزلة فقد طعن زعيمهم النظام في أكثر الصحابة وأسقط عدالة ابن مسعود، وطعن في فتاوى علي بن أبي طالب، وثلب عثمان بن عفان، وطعن في كل من أفتى من الصحابة بالاجتهاد، وقال: إن ذلك منهم إنما كان لأجل أمرين: إما لجهلهم بأن ذلك لا يحل لهم، وإما لأنهم أرادوا أن يكونوا زعماء وأرباب مذاهب تنسب إليهم. فنسب خيار الصحابة إلى الجهل أو النفاق.

ثم إنه أبطل إجماع الصحابة ولم يره حجة، وأجاز أن تجتمع الأمة على الضلالة (?).

وأيضا – كان زعيمهم واصل بن عطاء الغزال يشكك في عدالة علي وابنيه، وابن عباس، وطلحة، والزبير، وعائشة وكل من شهد حرب الجمل من الفريقين، فقال مقالته المشهورة: لو شهد عندي علي وطلحة على باقة بقل لم أحكم بشهادتهما؛ لعلمي بأن أحدهما فاسق ولا أعرفه بعينه. ووافقه على ذلك صاحبه عمرو بن عبيد وزاد عليه بأن قطع بفسق كل من الفريقين.

وأما الخوارج فتكفيرهم لعلي وأكثر الصحابة رضي الله عنهم واستباحتهم لدمائهم وأموالهم مشهور معلوم، بل ساقوا الكفر إلى كل من أذنب من هذه الأمة.

أما الشيعة فشعارهم الطعن في سائر الصحابة – عدا آل البيت – وغلاتهم من السبئية والبيانية وغيرهم قد حكم علماء الإسلام عليهم بالردة والخروج من الدين بالكلية.

والإمامية منهم ادعت ردة أكثر الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

والأشاعرة ونحوهم من المتكلمين ممن يدعي في طريقة الخلف العلم والإحكام، وفي طريقة السلف السلامة دون العلم والإحكام، يلزمهم تجهيل السلف من الصحابة والتابعين وهو طعن فيهم من هذا الوجه. ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله – بعد أن حكى عنهم هذا الكلام -: (ولا ريب أن هذا شعبة من الرفض) (?).

فكيف يقال في هؤلاء جميعا إنهم موافقون للصحابة في علومهم وأعمالهم؟!

النتيجة الثامنة: شرف الانتساب إلى السلف الصالح:

إن السلفية تطلق ويراد بها أحد معنيين:

أحدهما: الحقيقة التاريخية التي تختص بأهل القرون الثلاثة المفضلة؛ لحديث: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم .. ) (?).

الثاني: الطريقة التي كان عليها أهل تلك القرون الفاضلة من التمسك بالكتاب والسنة وتقديمهما على ما سواهما، والعمل بها على مقتضى فهم الصحابة والسلف.

فالسلفية بالمعنى الثاني منهاج باق إلى يوم القيامة يصح الانتساب إليه متى التزمت شروطه وقواعده؛ لحديث: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك) (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015