6 - أو يقال: كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بوقوع الشرك وحدوثه في هذه الأمة، ووقع، وحصل هذا الإخبار بما هو مشاهد عياناً، ولا ينكره إلا من أعمى الله بصره وطمس بصيرته. هكذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أناساً معلومين بأن الشيطان لا يسلط عليهم، وهم الذين قال عنهم الرسول عليه الصلاة والسلام: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق، منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله)) (?).
7 - أو يقال: إن الحديث يقول: إن الشيطان أيس أن يعبد. وظاهر لفظه: أن أيس من أن يعبد هو نفسه، لا من أن يعبد غيره من المخلوقات كالأنبياء والملائكة والصالحين والأشجار والأحجار، والقبور. فإن الشيطان إن أطيع في عبادة بعض المخلوقات، وقد تضاف إليه هذه العبادة ولكنها إضافة غير حقيقية، والعلاقة في الإضافة كونه هو الآمر بها، وحقيقة عبادة الشيطان نفسه: أن توجه إليه العبادة كفاحاً مباشرة.
8 - أو يقال: المراد أن الشيطان قد أيس من أن يعبد أو تعبد الأصنام في بلاد العرب في كل وقت وزمان، فهذا لن يكون إن شاء الله، وقد يشهد لهذا لفظة (أبداً) المذكور في الرواية الأخرى (?).
وعلى كل حال: لا يمكن أن يدعى أنه لن يعبد غير الله في بلاد العرب في وقت من الأوقات، فإن هذا باطل كاذب بالإجماع والضرورة والنصوص المتواترة.
ومما يستدل به القبوريون في هذا الباب:
4 - قوله صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي، ولا يزال أمر هذه الأمة مستقيماً حتى تقوم الساعة، أو يأتي أمر الله تعالى .... )) (?)
وجه الاستدلال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أمر هذه الأمة لا يزال مستقيماً إلى آخر الدهر، ومعلوم أن هذه الأمة .. التي تكفرون بها، مازالت قديماً ظاهرة ملأت البلاد، فلو كانت هي الأصنام الكبرى، ومن فعل شيئاً من تلك الأفاعيل عابد الأوثان، لم يكن أمر هذه الأمة مستقيماً، بل منعكساً ... ) (?).
يجاب عن هذه الشبهة: بأن هذه الشبهة ناتجة عن قصور باعه في علم الحديث. فإن الأحاديث تأتي بروايات مختلفة بعضها يفسر البعض الآخر، فالذي ذكره جاء بعدة روايات، حتى إنه جاء في صحيح البخاري في خمسة مواضع عن معاوية رضي الله عنه.
وقد جاء في كتاب العلم بلفظ: ((ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله)) (?)، وفي كتاب الاعتصام بلفظ: ((ولا تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون)) (?).
وجاء في كتاب المناقب بلفظ: ((لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله ... )) (?).
كما جاء في كتاب الاعتصام بلفظ: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون)) (?).
وفي كتاب التوحيد: ((لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله ... )) (?).