والمقصود: أن الشيطان ييأس إذا رأى التمسك بالتوحيد والإقرار به والتزامه، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو حريص على أن يصد الناس عن هذا، ولذا تمكن من هذا في فترات مختلفة، فعبده القرامطة عبادة طاعة وهم في الجزيرة، وأفسدوا ما أفسدوا، وعبده من بعدهم مما يعرفه أولو البصيرة (?) (?).
فالقول بأن الشرك منتف عن هذه الأمة مخالف للواقع، كما أنه مخالف للفهم الصحيح لنصوص الشرع.
2 - أو يقال: إن نبينا صلى الله عليه وسلم فصل ما بين الشرك والتوحيد وبينه أتم بيان، وترك الدين على بيضاء ليلها كنهارها، وهذه البيضاء هي مضمون لا إله إلا الله، وهي إفراد الله بالعبادة، وخلع الأنداد، والكفر بما يعبد من دون الله، والبراءة من الشرك وأهله، كما فسرها أهل العلم رحمهم الله، فإذا علم هذا يقيناً فمحال أن يكون الشرك بصورته التي نهى الله عنها موجوداً في بلاد كثيرة، ويحكم عليها بالشرك ويوجد في الجزيرة بصورته ولا يحكم عليها بالشرك. وهذا من التلاعب والهوى الصارخ (?).
3 - وقال ابن رجب في شرح الحديث: إنه يئس أن يجتمعوا كلهم على الكفر الأكبر (?).
وأشار ابن كثير إلى هذا المعنى عند تفسيره قوله تعالى: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ حيث قال: (قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني يئسوا أن تراجعوا دينكم) (?).
4 - ولا يبعد أن يقال: (مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إن الشيطان ... )) أن الشيطان لا يطمع أن يعبده المؤمنون في جزيرة العرب، وهم المصدَقون بما جاء به الرسول من عند ربه المذعنون له، والممتثلون لأوامره، ولا شك أن من كان على هذه الصفة فهو على بصيرة ونور من ربه، فلا يطمع الشيطان أن يعبده ... ووجود مثل هذا في جزيرة العرب لا ينافي الحديث الصحيح كما لا يخفى على من له قلب سليم وعقل راجح، وإطلاق لفظ المصلين على المؤمنين كثير في كلام العارفين.
5 - ويحتمل أن يراد بالمصلين أناس معلومون بناء على أن تكون (أل) للعهد وأن يراد بهم الكاملون فيها ... وهم خير القرون، يؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث-: ((ولكن في التحريش بينهم)). يقول الطيي: لعل المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبر بما يكون بعده من التحريش الواقع بين صحبه رضوان الله عليهم أجمعين، أي أيس أن يعبد فيها، ولكن يطمع في التحريش ... والدليل متى طرقه الاحتمال بطل به الاستدلال) (?).