وَهَكَذَا إِذَا أَخْبَرَ الْعَالِمُ عَنِ الْحُكْمِ أَوْ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ؛ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْحَقِيقَةِ؛ فَإِنْ وَافَقَ صَدَقَ وَإِنْ خَالَفَ كَذَبَ؛ فَالْفُتْيَا لَا تَصِحُّ مَعَ الْمُخَالَفَةِ وَإِنَّمَا تَصِحُّ مَعَ الْمُوَافَقَةِ.
وَحَسْبُ النَّاظِرِ مِنْ ذَلِكَ1 سَيِّدُ الْبَشَرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ كَانَتْ أَفْعَالُهُ مَعَ أَقْوَالِهِ عَلَى الْوِفَاقِ2 وَالتَّمَامِ؛ حَتَّى أَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَالَ: يُحِلُّ اللَّهُ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ3.
وَحِينَ سَأَلَهُ الرَّجُلُ عَنْ أَمْرٍ؛ فَقَالَ: "إِنِّي أَفْعَلُهُ". فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلَنَا، قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. غَضِبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: "وَاللَّهِ؛ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ 4 أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي" 5.
وَفِي الْقُرْآنِ عَنْ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا} [الْأَعْرَافِ: 89] .
وَقَوْلُهُ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْه} [هود: 88] .