الموافقات (صفحة 1725)

وقال: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2] .

وَقَوْلُهُ: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [مُحَمَّدٍ: 31] .

وَقَدْ مَرَّ أَنَّ التَّكَالِيفَ وُضِعَتْ لِلِابْتِلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ لِيَظْهَرَ فِي الشَّاهِدِ مَا سَبَقَ الْعِلْمُ بِهِ فِي الْغَائِبِ، وَقَدْ سَبَقَ الْعِلْمُ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَهَؤُلَاءِ لِلنَّارِ، لَكِنْ بِحَسَبِ ذَلِكَ الِابْتِلَاءِ، وَالِابْتِلَاءُ إِنَّمَا يَكُونُ بِمَا لَهُ1 جِهَتَانِ، لَا بِمَا هُوَ ذُو جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِذَلِكَ تَرَى النِّعَمَ الْمَبْثُوثَةَ فِي الْأَرْضِ لِلْعِبَادِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ مَدْحٌ وَلَا ذَمٌّ، وَلَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ حَيْثُ تَصَرُّفَاتِ الْمُكَلَّفِينَ فِيهَا، وَتَصَرُّفَاتُ الْمُكَلَّفِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا عَلَى سَوَاءٍ، فَإِذَا عُدَّتْ نِعَمًا وَمَصَالِحَ مِنْ حَيْثُ تَصَرُّفَاتِ الْمُكَلَّفِ؛ فَهِيَ مَعْدُودَةٌ فِتَنًا وَنِقَمًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَصَرُّفَاتِهِمْ أَيْضًا، وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْأُمُورَ الْمَبْثُوثَةَ للانتفاع ممكنة في جهتي المصلحة والمفسدة ومهيئة لِلتَّصَرُّفَيْنِ مَعًا، فَإِذَا كَانَتِ الْأُمُورُ الْمَبْثُوثَةُ فِي الْأَرْضِ لِلتَّكْلِيفِ بِهَذَا الْقَصْدِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ فَكَيْفَ يَتَرَجَّحُ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ؟ حَتَّى يُعَدَّ الْقَصْدُ الْأَوَّلُ هُوَ بَثُّهَا نِعَمًا فَقَطْ؟ وَكَوْنُهَا نِقَمًا وَفِتَنًا إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَصْدِ الثَّانِي.

فَالْجَوَابُ أَنْ لَا مُعَارَضَةَ فِي ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذِهِ الظَّوَاهِرَ الَّتِي نَصَّتْ عَلَى أَنَّهَا نِعَمٌ مُجَرَّدَةٌ مِنَ الشَّوَائِبِ؛ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا مَا هُوَ ظَاهِرُهَا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ الْأَوَّلُ، أَوْ يُرَادُ بِهَا أَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا الثَّانِي لَا يَصِحُّ؛ إِذْ لَا يُمْكِنُ2 فِي العقل ولا يوجد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015