فِي السَّمْعِ أَنْ يُخْبِرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَمْرٍ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّا إِنْ فَرَضْنَا أَنَّ هَذِهِ الْمَبْثُوثَاتِ لَيْسَتْ بِنِعَمٍ خَالِصَةٍ، كَمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنِقَمٍ خَالِصَةٍ؛ فَإِخْبَارُ اللَّهِ عَنْهَا بِأَنَّهَا نِعَمٌ وَأَنَّهُ امْتَنَّ بِهَا وَجَعَلَهَا حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ وَمَظِنَّةً لِحُصُولِ الشُّكْرِ مُخَالِفٌ لِلْمَعْقُولِ، ثُمَّ إِذَا نَظَرْنَا فِي تَفَاصِيلِ النِّعَمِ؛ كَقَوْلِهِ: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا، وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ: 6-7] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ.
وَقَوْلِهِ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ} [النَّحْلِ: 10] .
إِلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا؛ أَفَيَصِحُّ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ بِإِطْلَاقٍ، أَوْ يُقَالُ: إِنَّهَا نِعَمٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قَوْمٍ وَنِقَمٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قَوْمٍ آخَرِينَ؟ هَذَا كُلُّهُ خَارِجٌ عَنْ حُكْمِ الْمَعْقُولِ [وَالْمَنْقُولِ] 1.
وَالشَّوَاهِدُ2 لِهَذَا أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ هُدًى وَرَحْمَةً وَشِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ، وَأَنَّهُ النُّورُ الْأَعْظَمُ، وَطَرِيقُهُ هُوَ الطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ خِلَافُ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِيهِ: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [الْبَقَرَةِ: 26] .
وَأَنَّهُ: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [الْبَقَرَةِ: 2] لَا لِغَيْرِهِمْ.
وَأَنَّهُ: {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} [لُقْمَانَ: 3] . إِلَى أَشْبَاهِ ذَلِكَ.
وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: أُنزل الْقُرْآنُ لِيَكُونَ هُدًى لِقَوْمٍ وَضَلَالًا لِآخَرِينَ، أَوْ: هُوَ مُحْتَمِلٌ لِأَنْ يَكُونَ هُدًى أَوْ ضَلَالًا، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ هَذَا التَّوَهُّمِ.