وقال عنترة:
وإذا شربت فإنني مستهلك ... مالي وعرضي وافر لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصر عن ندى ... وكما علمت شمائلي وتكرمي
وما زال من يتعصب على البحتري يجتهد في الطعن على إحسانه في هذا البيت، فإنهم قالوا في قوله: «تكرمت من قبل الكؤوس عليهم»: إن التكرم إنما هو أن يتكلف الكرم، ويتعاطاه وليس من أهله، وكان الأجود أن يقول «كرمت».
وهذا غلط منهم قبيح، إنما التكارم هو أن يظهر الكرم وليس من أهله، وكذلك التحالم والتجاهل والتعاقل وما أشبه ذلك، فأما التكرم معناه: أنه جعل نفسه كريمًا، وأدخلها في الكرم، وذلك مثل تشجعت وتجلدت وتبصرت، ومثل هذا لا يكون الإنسان مذمومًا ولا معيبًا به، بل ممدوحًا، ويستعمل «كرم وتكرم» على وجه واحد، وكذلك شجع وتشجع، وخشع وتخشع.
وقد قال عنترة: «وكما علمت شمائلي وتكرمي» وهذا ما لا ينكره من له علم بكلام العرب، وعلى أن البحتري قد بين هذا وجمع بين هذين الفعلين في بيت وفرق بينهما فقال:
وأرى التكرم في الرجال تكارمًا ... ما لم يكن بمحاتد ومناصب
وقال:
عذيري من نأي غدًا وبعاد
تدارك غي نشوة في لقائها ... ذممت لها حتى الصباح رشادي