سبحانه أنزل الناسخ على النبي - صلى الله عليه وسلم - بوحي غير نظم القرآن، وإذا كان المنسوخ - وهو القرآن - والناسخ - وهي السُّنَّة - من اللَّه تعالى فما المانع من نسخ أحدهما للآخر؟
اعتراض على ذلك:
قال معترض على هذا الدليل: قد ينسخ النبي - صلى الله عليه وسلم - الآية اجتهاداً منه، فإن هذا ليس من اللَّه تعالى.
جوابه:
يجاب عنه بأن يقال: إن جوز للنبي - صلى الله عليه وسلم - النسخ بالاجتهاد فهو من عند اللَّه - أيضا -، فالله هو الذي أذن له بالاجتهاد في هذا الأمر، فثبت المطلوب، وهو: أن الكل من اللَّه تعالى.
الدليل الثاني: أن القرآن والسُّنَّة لا فرق بينهما من حيث السند،
فكل واحد منهما متواتر، ولا فرق بينهما من حيث المصدر - كما
قلنا سابقا -.
وإذا كان كل واحد منهما قطعي الثبوت، ومصدره من اللَّه تعالى،
فإن كل واحد منهما يقوى على نسخ الآخر.
الدليل الثالث: أن النسخ تعريف بانقضاء مدة العبادة، وإعلام
سقوط مثل ما كان واجبا بالمنسوخ وارتفاعه فيما يستقبل من الزمان،
والمعرفة بذلك تقع بالسُّنَّة كما تقع بالقرآن.
الدليل الرابع: الوقوع، فقد وقع في الشريعة نسخ القرآن بالممئُنَّة
المتواترة، والوقوع دليل الجواز، من ذلك:
أن الوصية كانت واجبة للوالدين والأقربين بقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) ، فنسخ ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فلا وصية لوارث".