الدليل الثالث لهم قالوا فيه: إن القرآن والسُّنَّة جنسان مختلفان
من الأدلة، فلم يجز نسخ أحدهما بالآخر.
جوابه:
يجاب عنه بأن النسخ في الأصل لم يمتنع لكونهما جنسين، وإنما
امتنع؛ لأن أحدهما فرع للآخر، وأن أحدهما أدنى، فلم يجز نسخ
الأصل بفرعه، ولا نسخ الأعلى بالأدنى، وهذا لم يكن في مسألتنا؟
لأننا لم ننسخ الأعلى بما هو دونه، وإنما ننسخ الأدنى بما هو أعلى
منه، ولا مانع من ذلك.
تئبيه: لقد قلت: إن المذهب الثاني قد نسب إلى الإمام
الشافعي، وقد كثر كلام العلماء حول هذه النسبة، وقد حققت ذلك
في كتابي " إتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر "، فارجع إليه
إن شئت.
***
المسألة الر ابعة والعشرون: نسخ القرآن بالسُّنَّة المتواترة:
لقد اختلف في ذلك على مذاهب، من أهمها: مذهبان:
المذهب الأول: أن نسخ القرآن بالسُّنَّة المتواترة جائز عقلاً وشرعا.
وهو مذهب الحنفية، والمالكية، وعامة المتكلمين، وأهل الظاهر،
وهو مذهب الإمام أحمد في رواية عنه وبعض الحنابلة، وهو - اختيار
أكثر الفقهاء من الشافعية وغيرهم.
وهو الصحيح؛ لما يلي من الأدلة:
الدليل الأول: أن نسخ القرآن بالسُّنَّة المتواترة لا يستحيل عقلاً،
فالناسخ - في الحقيقة - هو الله عَزَّ وجَل، كل ما في الأمر أنه