الدليل الثاني: وقوعه، والوقوع يدل على الجواز، فلو لم يكن
جائزاً لما وقع، فقد وقع في الشرع أن القرآن نسخ السُّنَّة، من ذلك:
1 - أنه نسخ تأخير الصلاة حالة الخوف الثابت بالسُّنَّة؛ حيث
روى أبو سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخَّر الصلاة يوم الخندق: الظهر والعصر والمغرب حتى بعد المغرب بهوي من الليل فصلاها، ثم نسخ ذلك بالقرآن وهو قوله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم
الصلاة) .
2 - أنه نسخ الصلاة على المنافقين، فقد روى عمر بن الخطاب:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على عبد اللَّه بن أبي بن سلول المنافق، فعارضه عمر - رضي اللَّه عنه - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أخَّر عني يا عمر إني خيرت فاخترت قد قيل لي: " استغفر لهم " لو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر له لزدت " -
قال الراوي: فصلى عليه، ومشى معه، وقام على قبره حتى فرغ منه،
قال: فعجبت من جرأتي على رسول اللَّه، والله ورسوله أعلم،
قال: فوالله ما كان إلا يسيراً حتى نزل قوله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) ، فما صلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على منافق، ولا قام على قبره حتى قبضه اللَّه تعالى، فهذا نسخ السُّنَّة بالقرآن.
3 - أنه نسخ القبْلة إلى بيت المقدس الثابتة بالسُّنَّة بالقرآن؛ حيث
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدمَ المدينة صلَّى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) .
ولا يمكن أن يقال: إن التوجه إلى بيت المقدس كان معلوما
بالقرآن، وهو قوله تعالى: (فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) ؛ لأن هذه الآية فيها
تخيير بين بيت المقدس وغيره من الجهات، والمنسوخ إنما هو وجوب
التوجه إليه عيناً، وذلك غير معلوم من القرآن.