التدرج بهم في الأحكام؛ لتلافي ذلك: فينزل اللَّه الأحكام الخفيفة
في أول الأمر حتى تتمرن النفوس عليها وتتهيأ لقبول غيرها مما هو
مثلها وأثقل منها كما حصل في ابتداء التكاليف الشرعية كتحريم
الخمر، وتحريم الربا.
الدليل الثاني: الوقوع؛ حيث وقع نسخ الحكم. من الأخف إلى
الأثقل، والوقوع دليل الجواز.
فمن أمثلة ذلك: أنه كان في أول الإسلام يجوز تأخير الصلاة في
حالة الخوف إلى وقت آخر أكثر أمنا، ونسخ ذلك إلى وجوب
الإتيان بها في حالة الخوف قال تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ..) ، ولا شك أن الصلاة حالة الخوف أشد.
مثال آخر: أن اللَّه تعالى أوجب صيام رمضان في ابتداء الإسلام
مخيراً بينه وبين الفداء بالمال الثابت بقوله تعالى: (وعلى الذين
يطيقونه فدية طعام مسكين) ، ثم نسخ ذلك بتعيين الصيام فقط
بقوله تعالى: (فمن شهد الشهر فليصمه) ، ومعلوم أن تعيين
الصيام أشد.
مثال ثالث: أن الصحابة - رضي اللَّه عنهم - أمروا في أول
الإسلام بترك القتال والإعراض عن ذلك، قال تعالى: (فأعرض
عنهم) ، (وأعرض عن المشركين) ، ثم نسخ ذلك بإيجاب
الجهاد في سبيل اللَّه، ومعلوم أن وجوب الجهاد أثقل من عدمه.
الدليل الثالث: أنه إذا جاز أن لا يكلف اللَّه عباده ابتداء، ثم
يكلفهم العبادات الشاقة جاز أن ينتقل من الأخف إلى الأثقل، ولا
فرق بينهما لمن تدبر.