مرض قد يتحمله دون حاجته إلى الأخذ بالترخيص، بينما لو أصاب
نفس المرض " عمراً "، فقد لا يتحمله فتكون الرخصة مشروعة
بالنسبة لعمرو، دون " زيد ".
وكذلك من كان من المضطرين معتاد على الصبر على الجوع، ولا
تختل حالته بسببه، فإنه لا يرخص له في أكل الميتة، بخلاف
الشخص الذي لا يستطيع الصبر على الجوع، فهذا يرخص له في
أكل الميتة؛ لأنه يخشى عليه من الهلاك، أو إلحاق ضرر به.
فعرفنا أن سبب الرخصة وهو العذر من مشقة، وضرر، وحاجة
ليس له ضابط معين، بل هو أمر إضافي بالنسبة إلى كل مخاطب،
فهو راجع إلى تقدير المشقة والحرج الذي يحصل للمكلف وإلى
اجتهاده في ذلك بحسب طاقته الخاصة.
ثم إنه ينبغي للمكلَّف أن يحتاط في اجتناب الرخص على حسب
الإمكان، بحيث لا يفعل شيئاً مرخصا فيه إلا بعد التأكد التام أنه
مضطر إليه.
أما تتبع الرخص لغرض التخفيف والتهرب عن كامل التكاليف
فهذا غير جائز.
***
المسألة السادسة: حكم الرخصة:
الرخصة قد تكون مباحة، وقد تكون واجبة، وقد تكون مندوبة،
وقد سبق بيان ذلك في أقسام الرخصة، وهذا مذهب الجمهور.
ولكن الشاطبي - رحمه اللَّه - ذكر أن حكمها: الإباحة مطلقا،
مستدلا على ذلك بما يلي:
الدليل الأول: قوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) ، وقوله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ) .