حيث إن هاتين الآيتين وغيرهما مما في معناهما قد دلَّت على رفع الإثم والحرج، ولم يرد فيها أمر يقتضي الإقدام على الرخصة، بل الذي ورد نفي الإثم والمؤاخذة على من ترك العزيمة.

الدليل الثاني: أن الرخص لو كانت مأموراً بها لكانت عزائم

لا رخصا، وإذا ثبت ذلك ظهر أن الجمع بين الأمر والرخصة جمع بين

متنافيين.

الدليل الثالث: أن الرخصة لغة التيسير والسهولة، ولا يستقيم

ذلك إلا إذا كان حكم الرخصة الإباحة لا غير.

بيان نوع الخلاف:

قلت: وفهم بعض الباحثين مما ذكره الشاطبي أن رأيه يخالف رأي

الجمهور غير صحيح؛ لأن رأيه يطابق ما ذكره الجمهور تمام المطابقة؟

حيث إن الجمهور أيضا يقولون بأن حكم الرخصة هو: الإباحة

مطلقا؛ لأن معناها التيسير والسهولة، وذلك بحصول الجواز للفعل

أو الترك، يرخص في الحرام بالإذن في فعله، وبالواجب بالإذن في

تركه، أما وصف الرخصة بالوجوب أو الندب أو غيرهما، فإنه أمر

زائد على معنى الرخصة، حيث يؤخذ من أدلة أخرى، ولهذا اقتصر

الكتاب العزيز على مجرد نفي الإثم والجناح، فعلمنا من ذلك الجواز

فقط، وقد صرَّح بذلك كثير من العلماء كالغزالي، وتاج الدين ابن

السبكي، والزركشي، والآمدي، وقد درست هذه المسألة في

كتابي: " الخلاف اللفظي عند الأصوليين "، فارجع إليه إن شئت.

-------------

هذا آخر المجلد الأول من كتاب " المهذب في علم أصول الفقه المقارن "

لفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الكريم بن علي بن محمد النملة

حفظه الله ونفع به الإسلام والمسلمين، ويليه المجلد الثاني إن شاء الله

وأوله: " أدلة الأحكام الشرعية "، وهو الباب الثالث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015