مثل الدين في باب الزكاة، حيث إنه مانع - عندنا - من وجوب
الزكاة، لأن السبب في وجوب الزكاة هو بلوغ النصاب، حيث إنه
يفيد غنى من يملك هذا النصاب، فطلب منه مواساة الفقراء من فضل
ذلك المال، وهذه هي الحكمة، ولكن الدين في المال لم يدع فضلاً
يواسي به الفقير، لأن النصاب هذا قد صار مشغولا بحقوق
الغرماء، فهنا قد أخل الدين بحكمة السبب؛ لأنه ليس مع الدين
استغناء، والإخلال بالحكمة يسقط العلية وهي: الزكاة.
أي: أن حكمة الدين هي براءة الذمة، وهي لا شك مخلة
بحكمة النصاب التي هي مواساة الفقراء، فكانت رعاية براءة الذمة
أوْلى من رعاية مواساة الفقراء، لأمرين:
أولهما: أن فيها البداية بالنفس، وهي ألزم ما يكون.
ئانيهما: أنه إذا ازدحم حقان على مال واحد قدم أقواهما، ولا
شك أن حق الغرماء أقوى من حق الفقراء، حيث إن المستحق إذا
تعين ترجح على مستحق لم يتعين.
وذهب بعض الشافعية إلى أن الدين لا يمنع من الزكاة لاستغنائه بما
في يده، وتعلق الدين بذمته.
التقسيم الثالث: المانع ينقسم من حيث ارتباطه بخطاب الشارع
إلى قسمين: " ما يكون داخلاً تحت خطاب التكليف "، و " ما
يكون داخلاً تحت خطاب الوضع ".
أما القسم الأول - وهو: ما يكون داخلاً تحت خطاب التكليف -
فهو: يشمل المأمور به، والمنهي عنه، والمخير فيه والمأذون فيه،
مثال المأمور به: الإسلام، حيث إنه مأمور به، وهو المانع من
انتهاك حرمة الدم والعرض إلا بحقهما.