عملتم كذا وكذا؛ لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يقول لهم: لِمَ

عملتم كذا وكذا؟ "، فهنا قدم الجمع على غيره.

الدليل الثالث: أن الجمع بين الأدلة المتعارضة فيه تنزيههما عن

النقص؛ لأن الدليلين المتعارضين بالجمع يتوافقان، ويزال الاختلاف

المؤدي إلى النقص والعجز، بخلاف الترجيح فإنه يؤدي إلى إلغاء

أحدهما وتركه؛ لأنه يوجب العمل بالراجح دون المرجوح، وكذلك

النسخ والتخيير، حيث إنه يترتب عليهما ترك أحد الدليلين،

وكذلك إسقاط الدليلين معا يترتب عليه ترك العمل بهما معا.

المذهب الثاني: أنه يقدم الترجيح على الجمع، فقال أصحاب هذا

المذهب في تفصيل ذلك: إنه يقدم النظر في تاريخ ورودهما، فإن

علم أن أحدهما متقدم على الآخر، فإنه يحكم بأن المتأخر ناسخ

للمتقدم، وإن تعذر معرفة تاريخ ورودهما: فإنه يرجح أحدهما

على الآخر بأي وجه من وجوه الترجيح، فإن تعذر التاريخ

والترجيح: جمع بينهما إن أمكن؛ لأن إعمال الدليلين اللذين لا

مرجح لأحدهما أوْلى من إهدارهما، فإن تعذر الجمع ترك العمل

بهما، وعدل إلى الاستدلال إلى ما دونهما في الرتبة.

وهذا مذهب الحنفية.

أدلة هذا المذهب:

الدليل الأول: أن الصحابة - رضوان اللَّه عليهم - كانوا إذا

أشكل عليهم حديثان، فإنهم يلجأون إلى الترجيح، وقد ثبت ذلك

في وقائع منها: أنهم رجحوا حديث عائشة - رضي اللَّه عنها -:

"إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل " على حديث: " إنما الماء من

الماء".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015