لقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب، من أهمها مذهبان هما:
المذهب الأول: أنه يُقدم الجمع بين المتعارضين بأي نوع من أنواع
الجمع، فإن تعذر الجمع بين الدليلين المتعارضين، فإنه يرجح
أحدهما على الآخر، وذلك بأي وجه من أوجه الترجيح، فإن تعذر
على المجتهد الجمع والترجيح، فإنه ينظر في تاريخ ورود الدليلين
المتعارضين، فإن عرفه فإنه حينئذٍ ينسخ المتأخر المتقدم، فإن تعذر
الجمع، والترجيح ومعرفة المتاخر من المتقدم، فإن المجتهد يحكم
بسقوط الدليلين المتعارضين، ويرجع ويستدل على حكم الحادثة
بالبراءة الأصلية، وكأن الدليلين المتعارضين غير موجودين.
هذا مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ لما يلي من الأدلة:
الدليل الأول: أن الدليلين المتعارضين دليلان قد ثبتا، ويمكن
استعمالهما معا، وبناء أحدهما على الآخر، فلا يمكن إلغاؤهما،
أو إلغاء واحد منهما إذا أمكن العمل بكل واحد منهما من وجه..
الدليل الثاني: أنه فد ورد تقديم الجمع بين الدليلين عن ابن عباس
- رضي اللَّه عنهما - حيث إنه لما قرأ قوله تعالى: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ) ، وقوله:. (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)
قال - أى ابن عباس -: يُسألون في موضع، ولا يُسألون في
موضع آخر، فقال - جامعا بينهما -: " لا يسألهم ربهم هل