والمراد من ذلك: الحدود والكفارات، فاختلف العلماء في جواز
القياس في الحدود والكفارات كقياس النباش على السارق، واللائط
على الزاني، وقياس من أفطر في نهار رمضان بشرب على المجامع
في نهار رمضان في وجوب الكفارة، على مذهبين:
المذهب الأول: أنه يجوز إجراء القياس في هذه الأمور.
وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق عندي؛ لما يلي من
الأدلة:
الدليل الأول. عموم أدلة حجية القياس التي ذكرناها فيما سبق،
ومنها: قوله تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) ، والآيات
الأخرى، وحديث معاذ والأحاديث التي ذكرناها معه، وإجماع
الصحابة السكوتي، وغير ذلك، فإنها تدل دلالة واضحة على أن
القياس يجري في جميع الأحكام إذا استكملت جميع شروط القياس،
فلم تفرق بين حكم وحكم، فالقول بأنه حُجَّة في بعض الأحكام
دون بعض إما تخصيص للعام أو تقييد للمطلق، وقد اتفق العلماء
على أنه لا يجوز تخصيص العام ولا تقييد المطلق إلا بدليل، وحيث
إنه لا دليل لكل منهما، فتبقى أدلة القياس على عمومها وعلى
إطلاقها، فيكون القياس يجري في جميع الأحكام المستكملة لشروط
القياس، فينتج من ذلك جريان القياس في الحدود والكفارات،
وجميع المقدرات؛ لأنها من ضمن الأحكام.