فإن حصول هذه المصلحة لا يتوقف على فعل جميع ما يترتب عليه
مثلها.
قال ابن تيمية في " المسودة " - بعد ذكر رأي أبي عبد اللَّه البصري
هذا -: الفرق بين التحريم والإيجاب في العِلَّة المنصوصة قياس
مذهبنا في الأيمان وغيرها؛ لأن المفاسد يجب تركها كلها بخلاف
المصالح، فإنما يجب تحصيل ما يحتاج إليه، فإذا أوجب تحصيل
مصلحة لم يجب تحصيل كل ما كان مثلها للاستغناء عنه بالأول،
ولهذا نقول بالعموم في باب الأيمان إذا كان المحلوف عليه تركا
بخلاف ما إذا كان المحلوف عليه فعلاً " اهـ.
جوابه:
أنا لا نُسَلِّمُ أن فعل كل خير ليس بواجب متى وجدت فيه المصلحة
التي أمر بالفعل لأجلها، بل الأمر الواجب كالنهي في طلب الخير
ودفع الضرر، فإيجاب كل شيء تحريم لضده، فترك الواجب كفعل
المنهي عنه يكون مشتملاً على ضرر يجب دفعه، وعلى هذا: يجب
أن يكون حال الفعل والإيجاب كحال الترك والنهي، ولا فرق.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا لفظي لا ثمرة له؛ لأن الخلاف لم يتوارد على محل
واحد؛ حيث إن ما أثبته كل فريق لا ينفيه الآخر، وما نفاه كل فريق
لا يثبته الفريق الآخر، فأحد المذاهب يفرض الكلام في استقلال
التنصيص على العِلَّة بالوجوب بدون ضميمة شيء آخر معها،
والمذهب الآخر يفرضه في عدم استقلال التنصيص على العلَّة
بالوجوب، وأنه لا بد أن ينضم إلى ذلك كون العِلَّة مناسبة، وهَذا