وهذا المذهب هو الحق عندي، للأدلة التالية:

الدليل الأول: أنه لو لم يجز القياس على العلَّة المنصوص عليها

لم يكن للنص عليها فائدة؛ حيث لا فائدة لذكَرها في النص إلا

القياس عليها، وإلا لكان وجودها عبثاً.

اعتراض:

قال قائل - معترضاً -: إن هناك فائدة وهي: أن يعلمنا أنها عِلَّة،

حيث عقلنا المعنى الذي من أجله شرع الحكم، ولا نقول بالتعميم

إلا بدليل يدل عليه، وإذا كان المقصود هو العلم بالعِلَّة، فالعلم

نفسه فائدة.

جوابه:

إنه يلزم على قولكم هذا أن يكون الأمر لا يفيد الوجوب أو

الندب، وكذلك لا يفيد التحريم أو الكراهة، وإنما تكون فائدته أن

يُعلم أنه أمر، أو نهي، وكذلك سائر أقسام الكلام.

فيثبت: أنه لا فائدة في معرفة العِلَّة وذكرها إلا لنعرف المصلحة

فيها، وإذا عرفت المصلحة لزمه العمل عليها أين وجدت من المحال،

وإلا فذلك الحكم قد استفدناه بالنص، فلا فائدة في معرفة علته.

الدليل الثاني: أن التنصيص على العِلَّة يفيد وجوب تعميم الحكم

في جميع المحال التي وجدت فيها تلكَ العِلَّة، مثل لو قال الله

تعالى: " أوجبت أكل السُّكَّر في كل يوم؛ لأَنه حلو "، لكان ذلك

تعليلاً لوجوبه في كل يوم؛ ولعلمنا أن الحلاوة - فقط - وجه

المصلحة في الوجوب في كل يوم؛ حيث قصر التعليل عليها، فإذا

ثبت ذلك علمنا: أن الحلاوة هي المؤثرة في المصلحة، وهي العلَّة،

فوجب أكل كل شيء فيه حلاوة مثل: العسل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015