مثال آخر: لو قال الطبيب: " لا تأكل هذا لبرودته "، فإنه

يتبادر إلى الذهن: النهي عن كل ما توجد فيه هذه العِلَّة، وهي

البرودة.

اعتراض على هذا:

قال قائل - معترضاً -: إن التنصيص على العِلَّة لم يكن لأجل

الإلحاق، بل لبيان الحكمة والمصلحة في كل حكم، وهذا يفيد

الانقياد والقبول؛ حيث إن النفوس تميل إلى قبول ما عرفت فيه

الحكمة والمصلحة التي من أجلها شرع هذا الحكم أو ذاك.

جوابه:

إن - صلى الله عليه وسلم - بعث لبيان الأحكام الشرعية التي يجب أن تتعبد بها الأُمَّة، ويعملوا بمقتضاها مصداقا لقوله تعالى: (وما خلقت الجن

والإنس إلا ليعبدون) ، ولم يبعث لأجل التنبيه على أسرار الأحكام

دون العمل بها.

المذهب الثاني: أن التنصيص على عِلَّة الحكم ليس أمراً بالقياس

مطلقاً، أي: سواء كان التنصيص علىَ العِلَّة في جانب الفعل، أو

في جانب الترك.

وهو مذهب فخر الدين الرازي، والغزالي، والأستاذ أبي إسحاق

الإسفراييني، والآمدي، ونسبه إلى أكثر الشافعية، ونسبه ابن

الحاجب إلى الجمهور، واختاره جعفر بن مبشر وجعفر بن حرب

المعتزليان، واختاره بعض الحنفية، وهو مذهب الشيعة الزيدية.

أدلة هذا المذهب:

الدليل الأول: أن الأحكام إنما شرعت لمصلحة المكلفين، وجوز

طور بواسطة نورين ميديا © 2015