فثبت أن بين القذف بالزنى والقذف بالكفر فرقا، فاقتضى ذلك أن
يختلف الحكم فيهما.
وأما قوله في الصورة الثامنة: " إنه أوجب جلد قاذف الحر الفاسق
دون قاذف العبد العفيف "، فالجواب عنه: أن الجلد ليس المعنى فيه
مجرد العفة حتى يكون قاذف العبد العفيف أحق بهذا الحد، بل المعنى
الذي اقتضى حد القذف هو: ما سبق قوله في جواب الصورة
السابعة من أن الزنى مستقبح في العادات، وأن العار الذي يلحق
فاعله لا يستطيع أن يتحمله من كان عنده شيء من المروءة والشهامة
والشيمة، فلو ترك الناس يقذف بعضهم بعضا بهذا الأمر المستقبح
دون إقامة الحد على القاذفين، لأدى ذلك إلى مفاسد لا تعد ولا
تحصى، يقوم بتلك المفاسد الحاقدون والحاسدون الذين يريدون
إسقاط وإهدار قيمة الآخرين، وإذهاب كرامتهم، وبما أن الحر
أشرف من العبد خص بهذه المزية، دون العبد الذي هو نازل القدر
شرعاً، فثبت أن ما ادعاه النظام غير صحيح.
وأما قوله في الصورة التاسعة: " إنه يقبل في القتل بشاهدين،
دون الزنى لا بد فيه من أربعة "، فالجواب عنه: أن هذا في غاية
الحكمة والمصلحة، فكان الشارع قد احتاط للقصاص وللدماء كما
احتاط لحد الزنى، بيان ذلك:
أن الشارع لو لم يقبل في القتل إلا أربعة شهود لتجرأ المعتدون
على القتل، وضاعت أكثر الدماء.
وأما الزنى فإنه قد بالغ في ستره، فلم يقبل فيه إلا أربعة شهود
يشهد كل واحد منهم بما رآى شهادة يتنفى معها الاحتمال، وكذلك
في الإقرار به لم يكتف بأقل من أربع مرات؛ احتياطاً من الشارع في