ومكة المكرمة فضلت؛ نظراً لوجود المسجد الحرام والمشاعر
الكريمة.
والمدينة فضلت؛ لأنها مكان هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأهلها أول من بايعه على النصرة والمنعة، وفيها قبر أفضل الخلق نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وفضل بيت المقدس؛ لأن فيه المسجد الأقصى، وهو أولى
القبلتين، ومجمع الأنبياء، والمكان الذي أسري النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه، وعرج منه إلى السماء.
وفضلت عرفة؛ لأنه محل وقوف الجم الغفير من الخلائق
متجردين ملبين.
فاتضح مما سبق أن التفضيل لا لأجل حقيقة الزمان والمكان، بل
لوجود ما يقتضي ذلك التفريق، ونتيجة لذلك اختلف الحكم، فبطل
ما ادعاه النظام من أنها متساوية.
وأما قوله في الصورة الثالثة: " إنه أوجب قضاء الصوم على
الحائض والنفساء دون قضاء الصلاة مع أنهما متماثلين "، فالجواب
عنه: أن إيجاب قضاء الصوم دون الصلاة ليس ذلك لزيادة العناية
بالصوم دون الصلاة، بل السر في ذلك: أن الشارع نظر إلى المشقة
وعدمها، والمصلحة وعدمها، بيان ذلك:
أنه نظراً لحصول المشقة الشديدة في قضاء الصلاة؛ لتكررها لم
يوجب الشارع قضائها، ونظراً لعدم المشقة في الصوم فإنه أوجب
قضائها.
وأيضا: فإن مصلحة الصلاة ستحصل فى زمن الطهر - لتكررها -
فلم يوجب قضائها، وأما مصلحة الصوم فإنها لا تحصل - لعدم
تكرره - فأوجب قضائه لتحصل المصلحة.