بينها، لقيام الفارق وهو: أن القصد من قصر الصلاة إنما هو
التخفيف على المسافر، والمحتاج للتخفيف إنما هو العدد الكثير المانع
للمسافر من قضاء حوائجه كالرباعية، دون العدد القليل كالثنائية،
فهي خفيفة على المسافر لا تمنعه من قضاء حوائجه.
وأيضا: فإن الصلاة الثنائية لو قصرت لعادت إلى ركعة واحدة،
وذلك ليس له نظير في أصل مشروعية الصلاة.
أما الثلاثية فإنه لا يمكن قصرها؛ لأمور:
أولها: أنه لا يمكن شطرها.
ثانيها: أنه لو حذف ثلثيها فإنه يبقى ركعة واحدة، وهذا مخل
لها، وليس لذلك نظير في أصل مشروعية الصلاة.
وثالثها: أنه لو حذف ثلثها، فإنه تبقى ركعتان، وهذا يخرجها
عن حكمة مشروعيتها وترأ، فإنها شرعت ثلاثا، فتكون وتر النهار
كما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
" وتر الليل ثلاث كوتر النهار صلاة المغرب ".
أما قوله في الصورة الثانية: " إنه فضل بعض الأزمنة والأمكنة مع
أنها متماثلة،، فالجواب عنه: أنه ليس المعنى المقتضي للتفضيل هو
حقيقة الزمان والمكان كما توهم النظام، بل إن بعض الأزمنة وبعض
الأمكنة فضلت لوجود ما يقتضي لذلك التفضيل من الأمور التي
وقعت فيها: فليلة القدْر فضلت عن سائر الليالي؛ لأن القرآن نزل
فيها، وجعلت ميعاداً لنزول الملائكة والروح فيها بإذن ربهم،
ففضلت عند الخلائق بسبب ما ينزل بها من النعم والرحمات،
فكانت العبادة فيها أفضل حتى يكون حظ العبد فيها أوفر.