الاعتراض الثالث: أن هذا خبر واحد، وخبر الواحد لا يفيد إلا
الظن، والظن لا يكتفى به على إثبات قاعدة أصولية كالقياس.
جوابه:
أن القياس قاعدة أصولية وسيلة إلى العمل، فيكتفى بإثبات ذلك
بالدليل الظني؛ قياسا على الفروع.
الدليل الثاني عشر: أنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه - أحيانا - يذكر الحكم مقرونا بعلته، والتعليل يفيد تعدي الحكم أينما وجدت العِلَّة، وذلك هو نفس القياس.
من ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي لأجل الدافة "،
وقوله عليه السلام في حق المحرم الذي وقَصَتْه ناقته:
" لا تخمروا رأسه ولا تمسوه طيبا، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً"،
وقوله: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها
تذكركم الآخرة "، وقوله - لما سئل عن بيع الرطب بالتمر -:
"أينقص الرطب إذا جف؟ " قالوا: نعم، فقال: " فلا إذن "،
وقوله: " إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى
يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده "، وقوله: " إنها ليست
بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات "، فتعليل الشارع
لبعض الأحكام إنما هو لإرشاد الخلق إلى كيفية ربط الأحكام بعللها
ليلحقوا ما وجدت فيه تلك العلل بتلك الأحكام.
اعتراض على هذا الدليل:
أنه لا يلزم من تعليل الحكم المنصوص عليه بعلَّة: إلحاق غير
المنصوص به؛ لاشتراكهما في العِلَّة، بل يجوز أَن يكون التعليل