الطريق الثاني: أن القياس مجاوزة الحكم من الأصل إلى الفرع،

والمجاوزة اعتبار؛ لأن الاعتبار معناه العبور والانتقال من مكان إلى

مكان آخر، والعبور هو المجاوزة يقال: " عبرت هذا النهر " أي:

جزته واجتزته، وإذا كان الاعتبار مجاوزة، والقياس مجاوزة،

فتكون النتيجة: أن القياس هو الاعتبار.

والاعتبار مأمور به بالآية، فتكون النتيجة أن القياس مأمور به.

والأمر للوجوب؛ لأنه لا توجد قرينة تصرف الأمر من الوجوب

إلى غيره، فيكون القياس واجبا، والوجوب مستلزم للجواز، أي:

إذا كان القياس واجبا، فمن باب أوْلى أن يكون جائزاً؛ لأن

الوجوب جواز وزيادة.

ما اعترض به على هذا الدليل:

الاعتراض الأول: لا نُسَلِّمُ أن المراد بالاعتبار هنا: القياس

الشرعي؛ لأنه لو كان المراد بالاعتبار القياس لخالف أول الآية

آخرها، وكان تقدير الآية: " يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين

فألحقوا الفروع بالأصول، أو قيسوا الذُّرَة على البر "، وهذا في

غاية الركاكة، ولا يليق بجلال القرآن.

بل نقول: إن الاعتبار المأمور به هو الاتعاظ؛ حيث إنه هو الذي

يتفق مع أول الآية وآخرها، ويكون المعنى: اتعظوا يا أولي العقول

السليمة بفعل هؤلاء حتى لاينزل بكم مثل ما نزل بهم.

جوابه:

يجاب عن ذلك بجوابين:

الجواب الأول: أن لفظ " الاعتبار " لفظ مشترك بين ثلاث معان:

القياس، والمجاوزة، والاتعاظ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015