ونحن رجحنا أن يكون المراد بالاعتبار القياس لوجهين:
الوجه الأول: أن كثيراً من أهل اللغة ذكروا أن معنى الاعتبار
القياس مباشرة - كما سبق -.
الوجه الثاني: أن كثيراً من أهل اللغة ذكروا أن معنى الاعتبار
القياس بطريق غير مباشر؛ حيث قالوا: إن الاعتبار مجاوزة،
والقياس مجاوزة، إذن يكون القياس هو الاعتبار - كما سبق بيانه -.
فنحن رجحنا أن يكون معنى المراد من الاعتبار: القياس بواسطة
مساعدة اللغة لنا.
الجواب الثاني: أن الذي لا يناسب صدر الآية هو الاعتبار بمعنى
القياس - فقط - ونحن لم نقل: إنه هو المأمور به، بل نقول: إن
المأمور به هو الاعتبار بمعنى المجاوزة، وهو القدر المشترك بين
الاتعاظ والقياس، والمجاوزة هي: الانتقال من شيء إلى آخر،
سواء كان انتقالاً من حال إلى آخر، كما في الاتعاظ، أو من أصل
إلى فرع كما في القياس، فكل من القياس والاتعاظ فيه مجاوزة،
فيكون معنى الآية: " إنا فعلنا بهم ما فعلنا فقيسوا الأمور أنتم يا أولي
الأبصار"، فدخل في ذلك قياس أفعالنا على أفعالهم في وصول
الجزاء، فيحصل الاتعاظ، وكذلك قياس الفروع على الأصول،
فلا يلزم من كون صدر الآية غير مناسب للقياس بخصوصه عدم
مناسبته للقدر المشترك لما فيه من معنى الاتعاظ.
الاعتراض الثاني: نسلم أن المأمور به في الآية هو: الاعتبار الذي
هو بمعنى المجاوزة، وأن المجاوزة كلي يشمل القياس والاتعاظ،
حيث إنه مشترك بينهما، ولكن لا نُسَلِّمُ أن الآية مع هذا تثبت أن
القياس حُجَّة، لأن الأمر الكلي من حيث هو كلي لا دلالة فيه على