فالدليل عليه: أن سكوتهم وعدم إنكارهم على القائلين بالقياس
إما أن يكون عن خوف أو عن رضا.
لا يمكن أن يكون سكوتهم عن خوف؛ لأمرين:
أولهما: أن بعضهم خالف البعض الآخر في مسألة: " الحرام "
و" الخلع "، و " الجد والإخوة "، و " بيع أمهات الأولاد "، وغيرها
ولو كان هناك خوف يمنعهم من إظهار ما في قلوبهم لما وقع ذلك
الخلاف، فلا يعقل أن يكون سكوتهم عن مسائل أخرى عن خوف.
ثانيهما: أنا نعلم من حال الصحابة - رضي اللَّه عنهم - شدة
انقيادهم للحق، لا سيما فيما لا يتعلق به رغبة ولا رهبة في العاجل
أصلاً، وذلك مانع قوي يمنع من حمل سكوتهم على الخوف.
فثبت بذلك: أن سكوتهم كان عن رضا وعن موافقة، وذلك
يوجب الإجماع على حجية القياس، وإلا لكانوا مجمعين على الخطأ.
ما اعترض به على هذا الوجه - وهو الوجه الثالث -:
الاعتراض الأول: إذا كان سكوتهم لا عن خوف، فلا يلزم منه
ثبوت الإجماع على حجية القياس؛ لأنه يحتمل أن يكون سكوتهم
لخفاء الدليل.
جوابه:
إن هذا بعيد، لأنهم عرفوا أن الشرع من عند اللَّه، فلو لم يكن
القياس مأذونا فيه: لكان القائس مشرعا، وحينئذٍ كانوا ينكرون عليه.
الاعتراض الثاني: إذا كان سكوتهم لا عن خوف فلا يلزم منه
ثبوت الإجماع على حجية القياس، لأنه يحتمل أن يكون سكوتهم
لأنهم في مهلة النظر، ولم يظهر لهم كون القياس حقا أو باطلاً.