الدليل الرابع: أنه روي عن أبي عبيد - القاسم بن سلام - أنه لما
سمع قوله - صلى الله عليه وسلم -: " لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ "، قال: إن من ليس بواجد لا يحل عرضه وعقوبته،
وروي عنه - أيضا - أنه لما سمع قول - صلى الله عليه وسلم -: "مطل الغني ظلم " قال: مطل غير الغني ليس بظلم، فأبو عبيد - وهو من فصحاء العرب وأهل اللغة - قد فهم أن تعليق الحكم وتخصيصه بصفة يدل على نفي ذلك الحكم عما
إذا انتفت تلك الصفة عنه.
الدليل الخامس: أن ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - قد منع
توريث الأخت مع وجود البنت مستدلاً بمفهوم المخالفة من قوله
تعالى: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ)
حيث - رضي الله عنه - قد فهم من توريث الأخت مع عدم الولد:
امتناع توريثها مع البنت؛ لأنها ولد، وهو من فصحاء العرب،
وهو أفقه الناس في الدين، وأعلمهم بالتأويل، وترجمان القرآن.
الدليل السادس: أنه لما روى أبو ذر قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"يقطع صلاة الرجل: الحمار، والكلب الأسود، والمرأة "،
قال له عبد اللَّه بن الصامت: ما بال الأسود من الأحمر من الأصفر من الأبيض؟
وجه الدلالة: أن عبد اللَّه بن الصامت فهم من تخصيص الكلب
الأسود بالحكم نفي هذا الحكم عن غيره، وأن الكلب الأبيض، أو
الأحمر لا يقطع الصلاة، ولم ينكر عليه أبو ذر - راوي الحديث -
بل قال: يا ابن أخي، سالت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كما سألتني فقال:
"الكلب الأسود شيطان "، فقد فهم عبد اللَّه وأبو ذر من تعليق
الحكم - وهو قطع الصلاة - على الكلب الموصوف بالسواد انتفاء
الحكم عن غير الكلب الأسود، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر ذلك، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أفصح العرب لسانا، وعبد الله وأبو ذر من فصحاء العرب.