ولجاز أن يقال في قوله تعالى: (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) ، بل

يظلم اثنين، لأنه ورد فيها كلها نكرة، ولم يتوفر فيها شرطكم،

وهو: كونها مسبوقة بـ مِن، لذلك ما تقتضي العموم على زعمكم،

وهذا ظاهر البطلان، بل يؤدي إلى الكفر.

أما الجواب التفصيلي فهو أن يقال: إن النكرة إذا أطلقت - أي:

لم تقيد بأي قرينة - فإنها تكون مستعملة فيما وضعت له حقيقة،

وهو العموم مثل قولنا: "ما عندي رجل "، و " لا رجل في الدار".

أما إذا لم تطلق بل قيدت بقرينة، فإنها تكون لما اقتضته هذه

القرينة، فتكون لغير ما وضعت له، وهو المجاز، أي: الخصوص

مثل قوله: " ما عندي رجل بل رجلان "، فقوله: " بل رجلان "

قرينة لفظية صرفت اللفظ، وهي: النكرة في سياق النفي من كونها

مفيدة للعموم إلى أنها للخصوص، فإذا زالت هذه القرينة، فإن

الصيغة وهي: النكرة في سياق النفي تعود لما وضعت له أصلاً،

وهو: العموم، قياساً على أسماء الحقائق، فلو قال مثلاً: " رأيت

أسداً "، فإن السامع يحمل لفظ " الأسد " على ما وضع له حقيقة

وهو: الحيوان المفترس، فإذا قال المتكلم: " رأيت أسداً يخطب "

فإن السامع يحمل لفظ " الأسد " على غير ما وضع له، وهو:

الرجل الشجاع بسبب تلك القرينة، وهي لفظ " يخطب "، فلو

زالت القرينة، فإن السامع يحمل لفظ " الألممد " على الحقيقة،

وهو الحيوان المفترس.

كذلك هنا: فإن لفظ " بل رجلان " إذا وجد لم تفد النكرة في

سياق النفي العموم، وصارت للخصوص، وإذا عدم هذا اللفظ

أفادت النكرة في سياق النفي العموم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015