قد يقول قائل: ما دام الأمر كذلك إذن ما سبب قول أصحاب
المذهب الثاني: إن النهي لا يقتضي الفور ولا التكرار؟
أقول - في الجواب عن ذلك -: إن سبب قولهم ذلك: أنهم
لما استقرؤا النصوص وجدوا: أن النهي يرد مرة للدوام والتكرار
كقوله تعالى: (ولا تقربوا الزنا) ، ومرة يرد لخلافه كقول الطبيب:
" لا تشرب اللبن ولا تأكل السمك ".
أما أصحاب الأول - وهم الجمهور القائلون: إن النهي يدل على
التكرار والدوام والعموم والفور مدة القيد في مثل قول الطبيب: "لا
تشرب اللبن ولا تأكل السمك ".
وبناء على ذلك: يكون النهي للدوام مدة العمر في المطلق ومدة
القيد في المقيد، فهم نجعلوا النهي يقتضي التكرار ويريدون من ذلك
مطلق الدوام الأعم من الدوام مدة العمر، ومن مدة القيد.
فأصحاب المذهب الثاني نظروا إلى الإطلاق من جهة، ونظروا
إلى التقييد من جهة أخرى، وغايروا بين النظرين، وهما واحد عند
أصحاب المذهب الأول، فلا خلاف في المعنى، فيكون الخلاف
لفظيا.