إليه فقلنا: نحن قوم من أهل خراسان وقد نشأ عندنا قوم يقولون: القرآن مخلوق. ولسنا ممن يخوض في الكلام فلا نستفتيك في هذه المسألة إلا لديننا ولمن عندنا لنخبرهم عنك بما تجيبنا فيه. فقال: القرآن كلام اللَّه غير مخلوق، ومن قال: مخلوق. فهو كافر". قال المؤلف: فهذا مذهب أئمتنا في هؤلاء المبتدعة الذين حرموا التوفيق وتركوا ظاهر الكتاب والسنة بآرائهم المزخرفة وتأويلاتهم المستنكرة، وقد سمعت أبا حازم الحافظ يقول: سمعت زاهر بن أحمد يقول: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد دعاني فقال: اشهد عليّ أني لا أكفر أحدًا من أهل القبلة لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا اختلاف العبارات.

قال المؤلف: فمن ذهب إلى هذا زعم أن هذا أيضًا مذهب الشافعي؛ ألا تراه قال في كتاب أدب القاضي ذهب الناس من تأويل القرآن والأحاديث والقياس أو من ذهب منهم إلى أمور اختلفوا فيها فتباينوا فيها تباينًا شديدًا واستحل فيها بعضهم من بعض، بعض ما يطول حكايته، وكل ذلك متقادم منه، ما كان في عهد السلف وبعدهم إلى اليوم، فلم نعلم أحدًا من سلف هذه الأمة يقتدى به ولا من التابعين بعدهم رد شهادة أحد بتأويل وإن خَطّأه وضَلّله.

ثم ساق الكلام إلى أن قال: وشهادة من يرى الكذب شركًا باللَّه أو معصية له يوجب عليها النار أولى أن تطيب النفس عليها من شهادة من يخفف المآثم فيها.

قالوا: والذي روينا عن الشافعي وغيره من الأئمة من تكفير هؤلاء المبتدعة فإنما أرادوا به كفرًا دون كفر وهو كما قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (?) قال ابن عباس: "إنه ليس بالكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس بكفر ينقل عن الملة ولكن كفر دون كفر".

قال المؤلف: فكأنهم أرادوا بتكفيرهم لنفيهم الصفات التي أثبتها اللَّه لنفسه وجحودهم لها بتأويل بعيد مع اعتقادهم إثبات ما أثبت اللَّه، فعدلوا عن الظاهر بتأويل فلم يخرجوا به عن الملة كما لم يخرج من أنكر إثبات المعوذتين في المصاحف كسائر السور من الملة لما ذهب إليه من الشبهة، وإن كانت عند غيره خطأ.

والذي روينا من قوله عليه السلام: "القدرية مجوس هذه الأمة" فإنما سماهم مجوسًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015