ومما هو من ذلك: الاستسقاء عند الحاجة إليه، والضرورة الحاملة عليه، فإن الاستسقاء سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه الأخيار، الكرام الأبرار، رضي الله عنهم، ولم يزل المسلمون عليه فيما تقدم وتأخر من الأعصار. وقد قال تعالى في كتابه العزيز، الذي يجب على كل مكلف الانقياد إليه، والخضوع له والعمل بما فيه: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ، وقال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) ، وقال تعالى: (وما أتاكم الرسول فخذوه) ، وقال تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) .

وثبت في صحيحي إمامي المحدثين، وعمدتي المسلمين: أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، رضي الله عنهما، من طرق كثيرات، بروايات متظاهرات: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى مرات. وفي الصحيح أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه استسقى، واستسقى معاوية فَمَن بعده رضي الله عنهم، ولم يزل المسلمون على فعل الاستسقاء عند الحاجة إليه.

وهذه السنّة التي حالها ما ذكرنا، ومحلُّها ما وصفنا، تشتمل مع ذلك على مصالح كثيرة من مهمات الآخرة والدنيا، عامة للبلاد والعباد، والشجر والدواب، ويشترك فيها الخواص والعوام. فيتوجه على وليّ الأمر وفقه الله تعالى الكريم لطاعته، وتولاّه بكرامته، وأدام نعمه عليه، وضاعف الخيرات لديه: الاهتمام بشأنها، والاعتناء بأمرها، والمسارعة إليها، والتحريض عليها.

وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ". وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجتهد لهم وينصح، إلا لم يدخل معهم الجنة " ونصوص الشرع الكريم بنحو ما ذكرناه كثيرة مشهورة.

والمسؤول: التقدم إلى قاضي القضاة " أدام الله له الخيرات " بجمع الناس للاستسقاء على الوجه الشرعي، فإن خذّل عن هذا الأمر جاهل، وزعم أنه يحالف التوكّل، أو أنه اعتراض على الله تعالى، فهذا المخذّل مخطئ جاهل، بل إن اعتقد هذا كان كافراً، لأن ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحق والصواب، الذي يجب على كل مكلّف الانقياد له، والمسارعة إلى قبوله، وانشراح الصدر به، قال الله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكمونك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) ، وقال تعالى: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) .

وكل ما خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو البدعة والضلالة، والغباوة والجهالة، والسفاهة والنذالة، بل هذه طريقة الكفار في مدافعة دين الإسلام: (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) .

ويجب على وليّ الأمر " وفّقه الله لطاعته " إذا سمع كلام هذا الزاعم الجاهل، الضال الغاشم المتجاهل، وغيره ممن يقول نحو هذا القول في مدافعة الحق والاعتراض على سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يؤدبه تأديباً بليغاً ينزجر به هو وأمثاله، ويُشْهَر أمره، لينكف أهل الجهالة والضلالة عن مثل فعله، وليُعْلَم أن المراد بالاستسقاء امتثال أمر الله تعالى، والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مصلحة ناجزة، وسعادة معجّلة، ومنّة من الله تعالى يُشكر على التوفيق لها.

وأما نزول المطر فهو إلى الله تعالى، وليس المراد الاستسقاء تيقّن نزول المطر، فإن علم الغيب وإنزال الغيث وغيره من الكائنات، إلى رب العالمين. ولقد أمرنا الله تعالى بدعائه ووعدنا الإجابة، وهو لا يخلف الميعاد، قال الله تعالى: (ادعوني أستجب لكم) ، وقال تعالى: (ادعوا ربكم تضرّعاً وخفية) ، وقال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015