وأما بَيْليك، فهو الأمير بدر الدين الخازندار الظاهري، نائب المملكة وأتابك الجيوش المنصورة، وكان موصوفاً بكثرة المعروف، ومحبة الصلحاء والعلماء، وحُسْن السيرة، مع الحظ الحسن، وفهم وذكاء، واعتناء بمطالعة التواريخ وسماع الحديث، ومات أيضاً قبيل الشيخ بيسير، وبعيد الظاهر، وذلك في ربيع الآخر من السنة أيضاً، انتهى.
ومما كتبه رسالة تتعلق بالمكوس والحوادث الباطلة، وأبطل الله ذلك على يد من شاء من عباده، في دولة السعيد بن الظاهر.
قلت: والسعيد هذا هو ناصر الدين محمد بركة خان بن الظاهر ركن الدين المذكور، استقر في المملكة بعد أبيه، وخُلع منها بعد سنتين وشهرين وثمانية أيام، انتهى.
ومما كتبه بسبب الفقهاء، لمّا رُسم بأن الفقيه لا يكون منزّلا في أكثر من مدرسة واحدة، وصورته: بسم الله الرحمن الرحيم، خَدَمَة الشرع يُنهون أن الله تعالى أمرنا بالتعاون على البر والتقوى، ونصيحة ولاة الأمور وعامة المسلمين، وأخذ على العلماء العهد بتبليغ أحكام الدين ومناصحة المسلمين، وحثّ على تعظيم حرماته، وإعظام شعائر الدين، وإكرام العلماء وأتباعهم.
وقد بلغ الفقهاء بأنه رُسم في حقهم بأن يغيّروا عن وظائفهم، ويُقطعوا عن بعض مدارسهم، فتنكّدت بذلك أحوالهم، وتضرروا بهذا التضييق عليهم، وهو محتاجون ولهم عيال، وفيهم الصالحون والمشتغلون بالعلوم، وإن كان فيهم أفراد لا يلتحقون بمراتب غيرهم فهم منتسبون إلى العلم ومشاركون فيه، ولا تخفى مراتب أهل العلم وفضلهم، وثناء الله تعالى عليهم، وبيانه مزيّتهم على غيرهم، وأنهم ورثة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وأن الملائكة عليهم السلام تضع أجنحتها لهم، ويستغفر لهم كل شيء حتى الحيتان.
واللائق بالجناب العالي إكرام هذه الطائفة والإحسان إليهم، ومعاضدتهم ودفع المكروهات عنهم، والنظر في أحوالهم بما فيه من الرفق بهم، فقد ثبت في " صحيح مسلم " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " اللهم مَن وَلِي من أمر أمتي شيئاً فارفق بهم، فارفق بهم "، وروى أبو عيسى الترمذي بإسناده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه كان يقول لطلبة العلم مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن رجالاً يأتونكم يتفقهون في الدين، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيراً ".
والمسؤول: أن لا يغيَّر على هذه الطائفة شيء، وتُستجلب دعوتهم لهذه الدولة القاهرة، وقد ثبت في " صحيح البخاري " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم ".
وقد أحاطت العلوم بما أجاب به الوزير نظام الملك حين أنكر عليه السلطان صَرْفَ الأموال الكثيرة في جهة طلبة العلم، فقال: أقمت بها جنداً لا تردّ سهامهم، فاستصوب فعله وساعده عليه.
والله الكريم يوفق الجناب دائماً لمرضاته، والمسارعة إلى طاعته، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
وله رحمه الله رسائل كليات تتعلق بالمسلمين، وجزئيات في إحياء سنن نيرات، وفي إماتة بدع مظلمات، وكلام طويل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات، مواجهاً به أهل الرتب العاليات.
قلت: منها رسالة إلى نائب السلطنة بدمشق، بطلب جميع الناس للاستسقاء، كتبها في يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى، سنة ثمان وستين وستمائة، وهو الخامس من كانون الأصم، ونصها: خَدَمَة الشرع العلماء بدمشق المحروسة، يُنهون أن الله سبحانه وتعالى أخذ عليهم العهد بتبليغ الشرع إلى المكلفين، ونصيحة الله تعالى وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وولاة الأمر، وعامة المسلمين. ونصيحة الله ورسوله امتثال أمرهما، ومن نصيحة ولاة الأمر تبليغهم شرائع الأحكام، وإرشادهم إلى شعائر الإسلام، والإشارة عليهم بفعلها، وإشاعتها ونشرها. ونصيحة عامتهم الاعتناء بمصالحهم في آخرتهم ودنياهم، والحث عليها، والمسارعة إليها.