ثم قال: ويجوز التنفل على الراحلة في قصير السفر وطويله عند الشافعية وعند الجمهور، ولا يجوز في داخل البلد وحولها من غير سفر، وعن بعض الشافعية أنه يجوز التنفل في البلدة وحولها من غير سفر على الدابة، وهو قول أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، وعن مالك أنه لا يجوز إلا في سفر تقصر فيه الصلاة، قال النووي: هو قول غريب.
قال العلماء: واعتبرت الطريق المقصود بدلا من القبلة، بحيث لا يجوز الانحراف عن الطريق المقصود عامدا لغير حاجة المسير، إلا إن كان سائرا في غير جهة القبلة فانحرف إلى جهة القبلة، فإن ذلك لا يضره.
وهل يشترط أن يفتتح الصلاة باستقبال القبلة؟ خلاف. والظاهر أنه لا يشترط لظاهر عموم الحديث.
ولم يوضح الحديث كيفية الصلاة على الراحلة، لكن في رواية البخاري عن عامر بن ربيعة قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على الراحلة يسبح -أي يتنفل -يومئ برأسه قبل أي وجه توجه" وظاهره الإيماء في الركوع والسجود معا ولكن الفقهاء قالوا: يكون الإيماء في السجود أخفض من الركوع، ليكون البدل على وفق الأصل، وذهب الجمهور إلى طلب السجود على الدابة لمن قدر عليه وتمكن منه دون مشقة، وعن مالك أن الذي يصلي على الدابة لا يسجد وإن تمكن من السجود، بل يومئ.
وظاهر الحديث أن جواز ترك استقبال القبلة في التنفل خاص بالراكب دون الماشي، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك، لأن ذلك رخصة، والرخص لا يقاس عليها، وأجاز الشافعية والحنابلة تنفل الماشي قياسا على الراكب، ولأن السر في هذه الرخصة تيسير تحصيل النوافل على العباد وتكثيرها، تعظيما لأجورهم رحمة من الله بهم، غير أن بعض هؤلاء المجيزين اشترط استقبال الماشي للقبلة في إحرامه، وعند الركوع، والسجود، واشترط السجود على الأرض، وله التشهد ماشيا، كما أن له القيام ماشيا، واشترط بعضهم التشهد قاعدا، فلا يمشي إلا في حالة القيام.