خلق السموات والأرض وبين العرش وهي لا تقتضي ترتيبا ولا تعقيبا ولما كان الترتيب في الذكر بدون حرف العطف الدال على الترتيب كالفاء وثم وجدنا من يقول إن الماء خلق أولا ... ومن يقول إن القلم خلق أولا والتمس كل لقوله دليلا

فمن قال إن الماء خلق أولا اعتمد على ما رواه أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي رزين مرفوعا إن الماء خلق قبل العرش ويؤيده ظاهر قوله في الصحيح وكان عرشه على الماء فالمعتلي عادة متأخر عن المعتلى عليه ومن قال إن القلم خلق أولا اعتمد على ما رواه أحمد والترمذي وصححه أيضا من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا أول ما خلق الله القلم ثم قال اكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة ويؤيده ظاهر أن العرش من المخلوقات ومن شأنه أن يكتب قبل أن يوجد كبقية المخلوقات والأكثرون على سبق خلق العرش ويؤولون الأولية في حديث القلم بأنها أولية نسبية أي بالنسبة لما عدا الماء والعرش وأما حديث أول ما خلق الله فقد قال المحققون ليس له طريق ثبت يعتمد عليه وقد أورد بعضهم إشكالا على الحديث من حيث سبق الرحمة على الغضب فزعم أن العذاب قد يقع قبل الرحمة كمن يدخل النار من الموحدين ثم يخرج بالشفاعة أو بفضل الله

وأجيب بأن الرحمة سابقة دائمة في الخلق والحفظ والإنعام والرزق وحتى من يعذب من الموحدين سبق تعذيبه رحمات ورحمات {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة} فإمهالهم رحمة ثم عذابهم عذابا مؤقتا بدرجة أخف رحمة ولولا وجودها لعذبوا بعذاب أشد وخلدوا

ومن هنا قال الطيبي في سبق الرحمة إشارة إلى أن قسط الخلق منها أكثر من قسطهم من الغضب وأنها تنالهم من غير استحقاق وأن الغضب لا ينالهم إلا باستحقاق فالرحمة تشمل الشخص جنينا ورضيعا وناشئا قبل أن يصدر منه شيء من الطاعة ولا يلحقه الغضب إلا بعد أن يصدر منه من الذنوب ما يستحق معه ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015