الحال ومناسبة القول للسامعين فهو يحذر من الكذب وشهادة الزور فيسترعي انتباههم ويستجمع فهمهم ويثير أحاسيسهم بقوله ألا أخبركم بأكبر الكبائر فيقولون بلى أخبرنا يا رسول الله فيكررها ثلاثا فيكررون بلى أخبرنا يا رسول الله فلا يبدأ بمطلوبه بل يقدم عليه ما رسخ في أذهانهم قبحه وما استقر في طبائعهم عظمه ليقترن المقصود بالمعلوم فيقول ألا وقول الزور ألا وقول الزور ألا وقول الزور يظل يكررها حتى يشفق عليه القوم ويقولون في أنفسهم تألما من انزعاجه ليته يسكت لا يقدرون على النطق تأدبا معه وتقديسا له صلى الله عليه وسلم ورضي عن أصحابه الصادقين
-[المباحث العربية]-
(ألا أنبئكم) بالتشديد والتخفيف أي ألا أخبركم وألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتنبيه ليدل على تحقيق ما بعدها
(بأكبر الكبائر) جمع كبيرة وهي الفعلة القبيحة فهي في الأصل صفة لموصوف محذوف وفي معناها الشرعي خلاف قيل كل معصية وقيل كل ذنب قرن بنار أو لعنة أو غضب أو عذاب والأقرب أنها كل ذنب ورد فيه وعيد شديد من كتاب أو سنة وإن لم يكن فيه حد
(ثلاثا) معمول لقال أي قال ذلك ثلاثا تنبيها للسامع على استحضار فهمه
(الإشراك بالله) خبر مبتدأ محذوف أي أكبر الكبائر الإشراك بالله والمراد به مطلق الكفر ويكون تخصيصه بالذكر لغلبته في الوجود ولا سيما في بلاد العرب فذكره تنبيها على غيره ويحتمل أن يراد به خصوصيته إلا أنه يرد عليه أن بعض الكفر أعظم قبحا من الإشراك وهو التعطيل لأنه نفي مطلق والإشراك إثبات مقيد فيترجح الاحتمال الأول
(وعقوق الوالدين) من العق وهو القطع والعاق هو الذي شق عصا الطاعة لوالديه قال النووي هذا قول أهل اللغة أما حقيقة العقوق المحرم شرعا فقل من ضبطه وقال ابن الصلاح: العقوق المحرم كل فعل يتأذى به